ما دلالة الاحتفاء الكبير بالسيسي في عاصمة الاتحاد الأوروبي؟
نشاط واسع لرئيس الانقلاب في مصر عبدالفتاح السيسي، في العاصمة البلجيكية بروكسل، التي وصل إليها الثلاثاء، لحضور الدورة السادسة لقمة ال بين الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، يومي 17 و18 شباط/ فبراير الجاري بمقر الاتحاد الأوروبي.
ويلتقي السيسي قادة وزعماء الدول الأعضاء بالاتحادين الأوروبي والأفريقي في الدورة السادسة للقمة الأفريقية الأوروبية، في بروكسل يومي 17 و18 شباط/ فبراير الجاري، حيث يشارك قادة الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والـ 55 الأعضاء في الاتحاد الأفريقي بالقمة، وبينهم السيسي.
ووسط احتفاء لافت، استقبل ملك بلجيكا لويس فيليب، السيسي، بالقصر الملكي البلجيكي، الأربعاء، كما التقى قائد الانقلاب رئيس وزراء بلجيكا وألكسندر دي كرو، وكذلك رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، بمقر المجلس في بروكسل.
وقبيل مشاركته قادة الدول الـ27 الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، والـ 55 الأعضاء بالاتحاد الأفريقي استقبل السيسي، الأربعاء، الرؤساء التنفيذيين لعدد من الشركات البلجيكية، وهم "ديمي" لأعمال التكريك، و"ميناء أنتويرب"، و"فلوكسيس"، في مقر إقامته في بروكسل.
"تناقض أوروبي"
السيسي، يومي الخميس والجمعة، بقمة الاتحادين الأفريقي والأوروبي، رغم ما يجري توجيهه لنظامه من انتقادات بملف حقوق الإنسان، يثير انتقادات بشأن تناقض موقف الأوروبيين ما بين النقد تارة والاحتفاء أخرى، وعقد صفقات الأسلحة والاتفاقيات التجارية.
ويأتي ذلك الاحتفاء؛ فب أعقاب توقيع 200 من البرلمانيين الأوروبيين في 3 كانون الثاني/ يناير الماضي، رسالة طالبوا فيها "مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة بإنشاء "آلية" لمراقبة ومعالجة أزمة حقوق الإنسان في مصر.
اقرأ أيضا: "رايتس ووتش": على أوروبا ألا تفرش السجاد الأحمر للسيسيودعا النواب الأوروبيون إلى اتخاذ "إجراءات حازمة" قبل دورة المجلس الأممي المقررة في آذار/ مارس 2022، ووجهوا اللوم للمجتمع الدولي على صمته تجاه أزمة حقوق الإنسان بمصر، واتهموه بـ"الفشل المستمر في اتخاذ أي إجراء هادف لمعالجة الأزمة".
وبالتزامن مع زيارة السيسي لبروكسل، قالت منظمة العفو الدولية، إن على قادة الاتحاد الأوروبي المجتمعين في بروكسل، الضغط على السيسي لمعالجة أزمة حقوق الإنسان، "ووضع حد للاعتداء المستمر على المدافعين عن حقوق الإنسان".
مديرة مكتب الاتحاد الأوروبي في المنظمة إيف غيدي، قالت: "يجب على قادة الاتحاد الأوروبي، الذين يجتمعون مع السيسي، أن يغتنموا الفرصة للتنديد بقمع حكومته لحقوق الإنسان".
وأضافت أنه "على الرغم من محاولاته التمويهية لتجميل سياساته، فإن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مستمرة بلا هوادة في مصر؛ وينبغي ألا يتيح له قادة الاتحاد الأوروبي فرصة لتلميع سياسات مصر القمعية الشديدة".
ورأت غيدي، أنه "بمواصلة العلاقات المعتادة مع مصر، يجازف الاتحاد الأوروبي بتقويض مصداقيته. ويجب ألا يتيح الاجتماع مع السيسي فرصة إخفاء انتهاكات حقوق الإنسان المروعة".
"حلفاء الاستبداد"
وعن دلالات الاحتفاء الكبير بالسيسي في بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي، قال الباحث المصري في الشؤون الأمنية أحمد مولانا، إن ما نراه من حفاوة بالسيسي في بروكسل، "هو امتداد للممارسات الأوروبية القديمة في عهد الاستعمار ثم دعم الأنظمة الديكتاتورية في مراحل لاحقة".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "نجدهم (الأوربيين) في حال وجود نظام حر وشعبي يحرصون على ممارسة ضغوط عليه ومحاولة إجباره وتطويعه لتطبيق مصالحهم وأهدافهم، وبالتالي فإن السيسي هو الحليف الطبيعي للدول الأوروبية".
وبشأن الزخم الأوروبي في لقاءات السيسي على الرغم من انتقاد 200 نائب بالبرلمان الأوروبي لملف مصر الحقوقي، أوضح مولانا، أن "البرلمان الأوروبي أضعف مؤسسات الاتحاد وقراراته في السياسة الخارجية غير ملزمة، ولا يعكس سياسات الدول وليس له صلاحيات كبيرة".
وأشار إلى أن "المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي ومنصب مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي هي الجهات الفاعلة في السياسة الأوروبية، كما أن أعضاء المفوضية أو المجلس الأوروبي هم رؤساء الدول ورؤساء وزرائها، وأفراد المفوضية تختارهم الدول، وبالتالي فهي مؤسسات الاتحاد الأكثر قوة".
وفي تقييمه لسياسات أوروبا المتناقضة بن الاحتفاء بالسيسي وانتقاد ملف حقوق الإنسان، قال الباحث والسياسي المصري، إن "السياسات الأوروبية تجاه منطقة الشرق الأوسط ومصر تقوم على رعاية المصالح الأوروبية، وينظرون للمنطقة كمصدر للموارد ثم تصدير البضائع لها".
ويعتقد أنه "من مصلحتهم عدم نهوض المنطقة العربية نهضة حقيقية؛ ولذا فهم حلفاء الاستبداد وكل الأنظمة التي جاءت بالمنطقة جاءت بعد الاستعمار بالتنسيق مع القوى الأوروبية حتى الاحتلال الإسرائيلي أسسته بريطانيا ودول أوروبا قبل أمريكا".
وأكد مولانا، أن "دعم الأنظمة الاستبدادية هو علاقة راسخة لدى أوروبا ولا جديد فيها، وكلامهم عن الملف الحقوقي تقوم به شخصيات تهتم بهذا الملف؛ لكنها لا تملك تأثيرا حقيقيا على سياسات وتوجهات الدول الرسمية، فضلا عن سياسات الاتحاد الأوروبي الأكثر قوة".
"خطة التبييض"
من جانبها انتقدت رئيسة المجلس الثوري المصري، الدكتورة مها عزام، حضور السيسي بيان قمة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي في بروكسل، وما أسمته بسماح أوروبا للسيسي المستمر بتبييض جرائم نظامه الاستبدادي.
وفي حديثها لـ"عربي21"، سلطت عزام، الضوء على الخطر الذي يتهدد حياة المصريين، واستمرار انتهاك أبسط حقوق الإنسان في مصر من قبل الدكتاتورية العسكرية.
وطالبت الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء بمراجعة سياساتهم إزاء نظام السيسي، وطالبتهم بالاستجابة لمطالب وقف معاناة أكثر من 60 ألف معارض سياسي معتقلين دون محاكمة عادلة في سجون السيسي.
اقرأ أيضا: ألمانيا لمصر: سنقيد صادرات الأسلحة بمعايير حقوق الإنسانودعت الاتحاد الأوروبي إلى الاستجابة إلـ"نداءات كل من يجرؤ على الاحتجاج في داخل مصر، ووقف الاضطهاد الحاصل لأسر المعارضين للنظام من خارج مصر".
وقالت عزام: "انتهك الجيش المصري حقوق الإنسان وبشكل ممنهج، وذلك وفقا لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الانسان، والبرلمان الأوروبي، والمنظمات الحقوقية العالمية، مثل (هيومان رايتس ووتش) و(العفو الدولية)".
ولفتت إلى تأكيد "هيومان رايتس ووتش"، على وجوب "محاسبة السيسي نفسه، وجهازه الأمني على الجرائم المرتكبة؛ وخاصة الجريمة التي ارتكبت في فض الاحتجاج السلمي في ميدان رابعة في 14 آب/ أغسطس 2013، والتي يمكن أن ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية".
واستشهدت عزام، بتقرير "هيومان رايتس ووتش" الذي جاء فيه: "يحدد هذا التقرير كبار المسؤولين الأمنيين والقادة الرئيسيين في التسلسل القيادي الذين ينبغي التحقيق معهم".
"وحيث توجد أدلة على تورطهم، فإنهم يتحملون المسؤولية الفردية عن التخطيط والتنفيذ أو الفشل في منع عمليات القتل المنهجية والواسعة النطاق للمتظاهرين خلال أغسطس 2013"، وفق المنظمة الحقوقية.
وأضافت: "منهم: وزير الدفاع آنذاك عبدالفتاح السيسي، الذي تولى قيادة القوات المسلحة، والذي فتح النار على المتظاهرين في 5 و 8 تموز/ يوليو 2013، وأشرف على الأمن كنائب لرئيس الوزراء للشؤون الأمنية، وأقر بنفسه بقضاء أيام طويلة جدا لمناقشة كافة التفاصيل، المتعلقة بفض رابعة".
وقالت عزام، إن "جرائم التعذيب الممنهج والاختفاء والقتل خارج نطاق القانون مستمرة في ظل نظام الجنرال السيسي، وكذلك السجن الوحشي لأي معارض".
وحثت الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء على "التمسك بمبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي، وعدم إضفاء الشرعية على السيسي وتمكينه من خلال الترحيب به على السجادة الحمراء، ما يعني تجاهل الانتهاكات الجسيمة لحقوق المصريين".
ويواصل السيسي استخدام وسائل مختلفة لرفع الضغط عن نفسه من الاتحاد الأوروبي دون أي تحرك ذي مغزى لتقليل القمع الوحشي لنظامه.
وهنا أكدت عزام أنه "لا ينبغي أن يسمح الاتحاد الأوروبي لنفسه بأن يصبح شريكًا في خطة السيسي لتبييض السمعة المشوهة لنظامه".
وخلصت للقول: "يجب على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء أن يضعوا في اعتبارهم أن الشعب المصري يدفع حياته ثمنا لاستمرار أوروبا في شراكة الديكتاتورية في مصر ولتحقيق مكاسب تجارية".
وختمت بأن "الصمت في وجه إرهاب الدولة، وهو ما يمثله نظام السيسي، جريمة بحق الشعب المصري، وانتهاك للمبادئ والقيم التي يسعى الاتحاد الأوروبي للتمسك بها، ولذلك فإنه لا ينبغي الترحيب بعبدالفتاح السيسي في أي دولة ديمقراطية".