عمالقة التكنولوجيا يشاركون في حرب أوكرانيا

A Decrease font size.A Reset font size.A Increase font size.

عمالقة التكنولوجيا يشاركون في حرب أوكرانيا

إبراهيم المبيضين

عمان- في التقارير العالمية التي تناولت أحداث الحرب الروسية الأوكرانية التي تدخل يومها الثاني عشر، نقلت كثير من الأخبار “قرارات” و”مواقف” لعمالقة قطاع تقنية المعلومات والتواصل الاجتماعي والهواتف الذكية وتطبيقاتها تجاه الحرب الدائرة بين روسيا وجارتها الغربية.
ذلك المشهد يعكس كيف أجبرت السياسة شركات التقنية العالمية على ال في هذه “الحرب الهجينة”.
ويؤكد خبراء محليون في مجال التقنية، أنه مع استمرار الحرب والحصار الروسي للعاصمة الأوكرانية، تتعرض شركات التكنولوجيا الكبرى، ومعظمها أميركية، لضغوطات متزايدة حول استخدام نفوذها على الهواتف والتطبيقات ومنصات التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة في العالم لاتخاذ إجراءات ضد روسيا، مشيرين الى أن هذه الشركات “مجبرة الى حد كبير” لتتبع سياسات بلادها واحترام عقوبات أميركا والاتحاد الأوروبي، مع عدم استبعاد دافعي الإنسانية ومحاولة الحد من مخاطر استغلال منصات التواصل الاجتماعي لغايات التضليل الإعلامي أو استغلال البيانات في مثل هذه الظروف.
ويقول الخبراء “الشركات التقنية التي بدأت تتخذ إجراءات في الحرب الرسوية الأميركية تشمل قائمة طويلة، لعل أبرزها أبل وجوجل وميكروسوفت وفيسبوك وتويتر وغيرها، وهي أجبرت للحاق سياسات دولها أو أقحمت نفسها في الحرب وفقا لرؤيتها الخاصة، فذلك يدلل بشكل واضح على قوة تأثير هذه الشركات في أربعة مسارات رئيسية: أنها مؤثرة في مجال الأخبار والإعلام، مؤثرة بسعة انتشارها، امتلاكها لبيانات خدمة عن المستخدمين وحياتهم وتنقلاتهم، وارتباطها بالاقتصاد وتعاملات المؤسسات والأفراد المالية”.
ويشير الخبراء الى أن إقحام الشركات التقنية ومنصات التواصل الاجتماعي في الحرب يطرح تساؤلا حول “مدى تمسك هذه الشركات بمبادئ حريات التعبير عن الرأي وحيادية الانترنت وضمان وصول جميع الناس الى الشبكة العنكبوتية التي أصبحت عمادا للحياة الاجتماعية والاقتصادية حول العالم، مؤكدين أهمية أن تلعب الجهات المشرفة على الانترنت دور الحياد مع كل الدول.
ومع اتخاذ الشركات التقنية مواقف وقرارات أكثرها كان يضغط على الجانب الروسي، وقفت منظمة “الايكان” العالمي المشرفة على إدارة أسماء النطاقات على الانترنت على الشبكة العنكبوتية على الحياد، عندما رفضت طلبا أوكرانيا بوقف أسماء نطاقات الانترنت الروسية.
وبلغة الأرقام، يقدر عدد مستخدمي الانترنت حول العالم بحوالي خمسة مليارات مستخدم، منهم أكثر من 90 مليون مستخدم للإنترنت في روسيا وحوالي 23 مليونا في أوكرانيا.
وقال الخبير في مجال سياسات تكنولوجيا المعلومات عيسى محاسنة “إن الأزمة الحالية تكشف دور التكنولوجيا في الصراعات الدولية وتقتصر على مدى تطبيقها في الصناعات الحربية وفي الاستخبار أو الحرب السيبرانية، بل بات واضحا أن التقدم التكنولوجي لبلد أو تحالف يعتمد أيضًا على مدى تواجد شركات تكنولوجية كبيرة ومؤثرة على أراضيها وضمن سيادة هذه الدول، مما قد تستخدم وسيلة للضغط على دول وبقراراتها”.
وأكد محاسنة أن منصات التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك” و”تويتر” تمثل أيضًا مساحة لحرية التعبير، وفي وقت الصراعات عادة ما تتعرض هذه المنصات للحجب والتقييد كما فعلت روسيا بخصوص “فيسبوك” و”تويتر”، من جهة أخرى من المستحيل أن ننظر إلى عمل هذه الشركات بمعزل عن القرارات السياسية التي تصدرها، “أبل” مثلا توقفت عن بيع منتجاتها في روسيا وأزالت مجموعة من التطبيقات الروسية على متجرها الإلكتروني، خاصة فيما يتعلق بالإعلام الرسمي الروسي والتي أزيلت محتوياتها من شركات كـ”جوجل” و”فيسبوك” أيضًا.
وشدد على أن أي قرار يتم اتخاذه ردا على الصراعات بين الدول يجب ألا يؤثر على فعالية الإنترنت كشبكة عالمية، ومدة الوصولية والربط البيني بين الدول، فمثلا الاقتراح المتعلق بتعطيل النطاقات العلوية الروسية بؤثر مباشرة على البنية التحتية للإنترنت ككل، والقرارات الفنية للإنترنت يجب أن تبقى حيادية وبعيدة عن المشاحنات السياسية.
الخبير في مجال التقنية وصفي الصفدي، أكد أن الجميع اليوم يدرك تماما قدرة التكنولوجيا على لعب دور حيوي في إيصال الدعم وتوجيه الرسائل للعالم من داخل الحدث بعيدا عن القنوات التقليدية مثل الإذاعات والقنوات التلفزيونية المحلية، وفي كل الأوقات في الرخاء وفي الأزمات والحروب، وهي تكسب أي جهة تتبناها وتعتمد عليها ميزة في الوصول الى الجمهور، وفي مواجهة الخصوم.
وقال الصفدي “إن الشركات التقنية الكبرى التي تسيطر على العالم الرقمي ومعظمها أميركية واجهت ضغوطا سياسية لاستخدام نفوذها على الهواتف والتطبيقات ومنصات التواصل الاجتماعي لاتخاذ إجراءات ضد روسيا”، لافتا الى أنه قد يقف وراء قرارات بعض الشركات توجه ورؤية إنسانية لمساعدة الناس على مواجهة ظروف الحرب في أوكرانيا.
وبين أنه منذ بداية الأزمة أسهمت التكنولوجيا في تقديم المساعدة والإغاثة للأوكرانيين وأسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في إيصال رسائل طلب المساعدة للعالم بينما قامت روسيا بدفع المنصات لإزالة المحتوى غير الملائم والمنافي لأهدافها، لنجد أن كل جهة “تستخدم التكنولوجيا حسب ما يناسب منظورها”.
وقامت شركات التكنولوجيا بإجراءات للضغط على روسيا، منها شركة “باي بال” التي علقت خدماتها في روسيا بما فيها تحويل الأموال، وشركتا “أبل” و”سامسونج” اللتان علقتا شحنات أجهزتها الى روسيا فيما تنظران بتعليق تزويدها بالرقائق، وأيضا شركة “كوجنت كوميونيكاشن” الأميركية التي قامت بقطع خدمات الانترنت عن عملائها الروس، وميكروسوفت التي قامت بإيقاف مبيعاتها للمشتركين الجدد في روسيا.
وأشار الصفدي الى إجراءات شركات مثل “ماستر كارد” و”فيزا” اللتين قامتا بإيقاف تعاملهما مع البنوك الروسية وتعهدتا بتقديم دعم مالي بمبلغ مليوني دولار لكل منهما لدعم الوضع الإنساني في أوكرانيا، ومنصة “سبوتفاي” التي قامت بإغلاق مكاتبها في روسيا لأجل غير مسمى.
وقال “إن ايلون ماسك، مؤسس تيسلا، أعلن عن تزويد أوكرانيا بخدمات الانترنت من خلال الاصطناعية سبايس أكس وستار لينك؛ حيث قام بإرسال محطات الأقمار الأرضية لأوكرانيا للوصول الى خدمات الإنترنت”.
وأضاف الصفدي “أن شركة “Airbnb” أعلنت مؤخرا وقف عمليات الشركة في روسيا وبيلا روسيا، بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، فيما قامت الشركة بخطوة إنسانية تمثلت بتقديم الشركة مائة ألف مسكن للاجئين الأوكرانيين”.
كما أشار الصفدي الى إجراءات شركة “ميتا” التي بدأت بتقديم خدمات الرسائل المشفرة وإيقاف الإعلانات الروسية على “فيسبوك”، وقيام “تويتر” بتقديم نصائح للحفاظ على أمان المستخدمين، “جوجل” أوقفت الإعلانات الروسية، وعدم عرض إعلاناتها في دول العالم، وكذلك قامت شركات المحتوى مثل “نيتفليكس” و”ديزني” و”روكو” بإيقاف أو إضافة أي محتوى جديد وحذف القنوات الروسية من منصاتها، وقام تطبيق “تليغرام” بحظر القنوات الروسية.
وفي المقابل، حجبت روسيا، أول من أمس، رسميا كلا من “فيسبوك” وتويتر” في نطاقها الجغرافي.
ومن جانبه، أكد الخبير في مجال التقنية حسام خطاب، أن هذه الحرب تحديدا تكشف قوة الشركات التقنية وتأثيرها على الناس ومسارات الأحداث، وخصوصا منصات التواصل الاجتماعي.
وأشار الى أن الشركات العملاقة، ومعظمها أميركية، لا بد وأنها ستتبع سياسات الدولة التي تتواجد فيها، وهي أميركا بشكل أو بآخر، وهو ما يدلل على أهمية أن تمتلك الدول وتشجع شركات ومنصات العالم الرقمي لأنها أصبحت قوة كبيرة وأدوات يمكن استخدامها في كل الحالات، وخصوصا في الأزمات.
ولكن خطاب أكد أهمية صفة الحياد لشبكة الانترنت وأهمية وصول جميع الناس لها، وأن تتبع الشركات التقنية معايير موحدة في قراراتها وسلوكاتها تجاه جميع الحروب أو الأزمات في بلدان العالم، لا سيما وأنها تمتلك بيانات كبيرة عن كل المستخدمين حول العالم وألا تتبع لدولة أو سياسة واحدة، على الأقل يجب أن تقف على الحياد أو تتعامل بشكل متساو مع طرفي أي نزاع.