مدارس الوعي بالصدمات النفسية.. نهج شامل يوفر بيئة تعليمية آمنة للأطفال
قبل أعوام قليلة، وجدت التركية إسراء أوزير، وهي تواجه مرضا يهدد حياتها، نفسها تستكشف طرقا جديدة للصحة النفسية من خلال العمل والتأهيل، وحياة أفضل عبر الممارسات الروحية.
فالمرأة التي خضعت لعملية جراحية كبرى في سن 28، قادتها أحلامها إلى رحلة صادقة لإطلاق مؤسسة "مايا فاكفي" عام 2014 لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للصحة العقلية لإعادة تأهيل الصدمات كاستجابة للاحتياجات المعقدة للعائلات والأطفال في الأزمات.
وبهدف توفير بيئة تعليمية آمنة للأطفال الذين تأثروا بتجارب الحياة الصادمة والحروب، أطلقت المؤسسة في عام 2017 مشروع "مدارس الوعي بالصدمات النفسية"، الذي يركز على التعليم من خلال الوعي بالصدمات النفسية في المدارس التركية.
"مدارس الوعي بالصدمات النفسية" هو أحد المشاريع الستة الفائزة في النسخة العاشرة من مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم "وايز 2021" المقام حاليا في الدوحة، نظرا لتميزه في عوامل الابتكار وقابلية التطوير والاستدامة وأثرها على الأفراد والمجتمعات.
وأبدت إسراء أوزير سعادتها بحصد مشروعها إحدى الجوائز الست في "وايز 2021″، وكذلك لوجودها في هذه القمة العالمية التي تبرز دور التعليم وتشجع على الابتكار والإبداع.
وقالت أوزير إنها تأمل أن يساهم المشروع في إنهاء أزمة التعليم العالمية، وإطلاق العنان لإمكانات الجيل القادم، فضلا عن مساعدة الأطفال المصابين بصدمات نفسية وتزويدهم بالدعم النفسي والاجتماعي، مضيفة أن المشروع حقق عبر تنفيذه في المدارس التركية أهداف إعادة تدريس التوقعات السلوكية، وممارسة السلوكيات البديلة، واستعادة العلاقات التي ربما تكون قد تضررت.
نهج شامل
وبرنامج مشروع مدارس الوعي بالصدمات النفسية هو نهج شامل يركز على الطفل، ويثقف المعلمين ومديري المدارس والأسر بشأن تأثير الصدمة على الطفل.
وتقوم فكرته على تحويل الفصل الدراسي إلى مساحة آمنة للأطفال الذين يعانون من التجارب النفسية الصادمة، ويتمثل التدخل هنا في تطبيق نهج متعدد الجوانب يستهدف الأطفال والمجتمع المحيط بهم، وذلك من خلال دورات تدريبية وورش مع الفريق التدريسي ومقدمي الرعاية.
ويتم تنفيذ البرنامج على 3 مراحل، الأولى تهتم بتدريب المعلمين ومديري المدارس لاكتساب المعرفة الأساسية حول كيفية تشخيص أعراض الصدمة، والثاني يعتمد على اختبارات الفحص والتقييمات في الفصل الدراسي لتحديد الأطفال الذين تظهر عليهم علامات الإجهاد بعد الصدمات الشديدة، والثالث يتمثل في جلسات مجموعة الدعم النفسي والاجتماعي لمدة 8 أسابيع والتي يديرها علماء النفس الإكلينيكي بمؤسسة مايا فاكفي، والتي تهدف إلى تقليل هذه الأعراض لدى الأطفال وتعزيز مهاراتهم في التكيف.
وشمل البرنامج اللاجئين السوريين في تركيا، ومحاولة إدماج ما يقارب المليون طفل في سن الدراسة انتقلوا إلى المدارس التركية في عام 2017، لكنهم عانوا من عقبات بسبب التجارب المؤلمة من الهجرة القسرية وصدمات الحرب والتمييز والحواجز اللغوية، والتي شكلت تحديات كبيرة أمام اندماجهم الشامل والسلمي في نظام التعليم العام.
ونجح البرنامج بين أكتوبر/تشرين الأول 2019 وسبتمبر/أيلول 2020 نجاحًا باهرا، فوصل عدد المستفيدين منه إلى أكثر من 5 آلاف طفل -منهم 1467 سوريا و2749 تركيا- و406 معلمين و190 مقدم رعاية.
5 فائزين
وبجانب مشروع "مدارس الوعي بالصدمات النفسية"، كان هناك 5 مشاريع أخرى فائزة في النسخة العاشرة من مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم "وايز 2021″، ومن بينها "منهاج السعادة" الصادر عن حكومة دلهي في الهند، إذ أبرم القائمون على المنهاج مع منظمة "احلم حُلم" ومنظمات أخرى شراكة في المناهج المدرسية تكون مخصصة للرفاه والسعادة والوعي الذاتي والتفكير الناقد.
وترك هذا العمل أثرا إيجابيا على 800 ألف طالب في 1024 مدرسة، فارتفعت لديهم مستويات ال والتركيز في الفصول الدراسية، ونتيجة لذلك بدأ المعلمون بإعطاء الأولوية للقيم على مدى النجاح الأكاديمي، وازدادت وتيرة التعاون مع زملائهم المعلمين.
وأيضا مشروع "مليار واحد" الذي طوّر منصة تكنولوجية متكاملة للتعليم "على شكل جهاز لوحي وتطبيق" لجميع الأطفال بهدف تعزيز مهارات الحساب والقراءة والكتابة باللغات التي يتكلمونها بصرف النظر عن البيئة التي تحتضنهم.
وكذلك مشروع "دعونا جميعا نتعلم القراءة"، الذي طوّر نموذجا شاملا ومبتكرا لتعلّم القراءة والكتابة لفائدة طلاب المدارس الابتدائية، ويوفر المشروع للمعلمين مواد القراءة والتدريب اللازم ونظاما للدرجات بهدف مساعدة كافة الطلاب "الذين يعانون أو لا يعانون من صعوبات في التعلم" في بلوغ مستويات القراءة العادية.
واستفاد من المشروع أكثر من 703 آلاف من الأطفال والمعلمين في المدارس الحكومية في كولومبيا وبنما، فضلا عن قيام حكومتي البلدين باعتماد البرنامج ضمن سياساتهما العامة.
وفاز أيضا مشروع "تعليم آباد" -أي "مدينة التعليم" باللغة الأردية- الذي اختير بفضل دمجه الفصول الدراسية الباكستانية باستخدام تقنيات رقميّة توفّر محتوى تعليميا يتواءم مع السياق المحلي والثقافة الباكستانية السائدة، ومع المناهج التعليمية الوطنية في باكستان وتعلّم الأطفال اللغتين الإنجليزية والأردية، بالإضافة إلى الرياضيات والعلوم في مختلف صفوف المدارس الابتدائية.
وأخيرا كان من بين الفائزين مشروع برنامج "برو فيوتشرو للتعليم الرقمي" من صنع "مؤسسة تيليفونيكا" ومؤسسة "لا كايشا"، وهو مصمَّم للعمل في البيئات الضعيفة، سواء كانت تتوفر على إمكانية الاتصال بشبكة الإنترنت أم لا.
ويركز البرنامج على تدريب ودعم المعلمين، إذ يساعدهم في تعزيز ممارساتهم التعليمية ومهاراتهم الرقمية بحيث يمكّنهم من تقديم أفضل مستوى تعليمي لطلابهم.
وينتشر البرنامج في 40 بلدا من أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وقارتي أفريقيا وآسيا، علما أن عدد المستفيدين منه تجاوز 914 ألف معلم و19.7 مليون طفل.
وتمنح جوائز "وايز" التقديرية والتشجيعية كل عام لستة مشروعات ابتكارية نجحت في مواجهة ومعالجة تحديات عالمية في مجال التعليم، وتلقى "وايز" منذ عام 2009 أكثر من 4200 طلب ترشح للجائزة من أكثر من 150 بلدا حول العالم.