فرحة التحرير في عيون رجال الشرع والعمل الخيري
ليلى الشافعييوم لا يُنسى، لا في ذاكرة المواطنين والمقيمين بالكويت، ولا في العالمين العربي والإسلامي.. يوم تحرير الكويت، يوم وقف العالم كله على قدميه متأهباً مبتهجاً بزوال احتلال عراقي غاشم جثم على أرض الكويت وصادر حريات أهلها وخرّب بنيتها وأشاع الدمار والسوء.26 فبراير 1991.. دقت ساعة الحقيقة، وتنفس الكويتيون وجميع شرفاء العالم الصعداء، وانجلت غمة أطبقت على المنطقة طوال شهور، تبددت فيها ثروات بشرية وعينية وتجمعت خلالها جيوش وجنود وقوات حتى يمكنها إخراج المعتدي من هذه الأرض الطيبة.26 فبراير 1991.. بات ذكرى عظيمة في نفوس الكويتيين، لا تنفك ترسخ في قلوبهم ويتداولونها بينهم، كل منهم يحكي كيف مرت عليه لحظات هذا اليوم، كيف استقبل نبأ التحرير بعد أكثر من شهر من بدء الحرب الجوية.
جمع من رجال الدين والعمل الخيري عاينوا هذا الحدث العظيم وعاشوه كل حسب موقعه وظروفه.. وسجلوا هذه اللحظات بكلمات تفيض بمشاعر الرضا والقبول بعد شهور كادت فيها الكويت تضيع منهم.تذكروا كيف عاشوا تلك اللحظات واستقبلوا نبأ التحرير والكويت العزيزة تئن تحت حرائق النفط التي أشعلها المعتدون.. وانسحاب دبابات وعربات الاحتلال مولية هاربة.تذكروا كيف بدأت الحياة تدب في أوصال المناطق الكويتية من جديد تحت سقف الحرية واستعادة الكرامة والأرض، وكيف يمكن أخذ العبر والدروس من هذا اليوم العظيم.نعم كانت فرحة التحرير لا تضاهيها فرحة، مسحت كل أحزان المواطنين، وعادوا يرتبون حياتهم من جديد. فرحة التحرير ماذا قال عنها رجال الدين والعمل الخيري، فإلى التفاصيل:
د.خالد المذكور: في فجر يوم الثلاثاء الموافق 26 فبراير 1991 هو يوم التحرير، في تلك الليلة قبل الفجر كنا في بيوتنا وأصوات الطائرات والمدافع تدوي، وقالوا إن هناك ما يسمى بالمدينة المحرقة او الأرض المحروقة كما كانوا يطلقون عليها، اي حرق كل ما يتمكن الجيش العراقي من حرقه، وهو مصطلح اطلقوه لأنه سينتقم من الجميع، وكان في آخر يوم جمعة من الاحتلال شدد المحتل العراقي وأخذ مجموعة كبيرة من الاسرى الكويتيين حتى انني قمت بتفريغ خزان المياه ووضعت فيه ولديّ وليد وياسر ابنيّ د.عجيل النشمي، وهو جاري، وقلت لهما لا تصليان الجمعة وصليا بعد ذلك في البيت، ونحن ايضا صلينا في البيوت، وكانت آخر جمعة من الاحتلال قبل التحرير، لكن في الفجر جاء احد الاشخاص للبيت فرحا ويقول انا ذهبت ولم اجد شيئا، ثم سمعنا اصوات الدبابات واصوات السيارات، قلنا انهم سيزحفون علينا في بيوتنا، واذا هم يفرون مهزومين خارج الكويت والطائرات تلاحقهم على الحدود الكويتية، مرتبكين في ذلك الوقت، ومع طلوع الفجر سجدنا شكرا لله تعالى ونحن في بيوتنا، وكذلك سجدنا شكرا لله بعد صلاة الظهر، وفتحنا البيوت مع علمنا بالبقايا الموجودة منهم ومن الالغام التي كان قد تركها العراقيون في الخنادق، فقمنا بتنظيم الحراسة، وكانت حرائق النفط تغطي السماء كأننا في الليل، واصوات الناس فرحة يرفعون اعلام الكويت، وكنا حذرين من الخروج ومن التعرض لبقايا العراقيين الذين كانوا موجودين، ثم بعد ذلك نظمت الامور وفتحت الجمعيات وبعض المحلات، وكان في الروضة التي قرب بيتي خزين من المؤن والاغذية جاءت فرقة أميركية لتشرف على التوزيع، بالاضافة الى الذين ساعدوهم من الكويتيين، وكان ذلك يوم الثلاثاء كله، ارحنا الله سبحانه ونصرنا عليهم، واصبحت فرحة الكويتي في هذا اليوم (يوم التحرير) فرحة لا تضاهيها اي فرحة، ونسأل الله تعالى أخذ الدروس والعبر من هذا اليوم، وكنا مشغولين بعد يومين من التحرير يوم الثلاثاء ويوم الاربعاء، وكنا ننتظر خطب الجمعة التي كانت تنادي بإطلاق سراح الاسرى والمسجونين في العراق والمطالبة بهم، وجاءت وفود من الدول الخليجية المجاورة تساعد اهل الكويت، وتأتي بالمؤن والبضائع مع القوات الكويتية التي دخلت، وكان هذا الاسبوع (اسبوع التحرير) من يوم الثلاثاء الى 10 ايام تقريبا، وكنا نستعد استعدادا ونتهيأ لأجل هذا العدد الضخم من الاسلحة والمعدات التي تركها العراقيون خشية ان يسرقها او من يثير الاضطراب، وكان موقفنا موقفا شجاعا في اسبوع التحرير، خاصة من يوم الثلاثاء، وصمنا رمضان وكانت الكهرباء مطفأة ولكن كانت نيران قلوب امهات وآباء الاسرى تضرم حتى يرجع هؤلاء الاسرى الى بلادهم سالمين غانمين، وبعد ذلك بحمد الله تعالى عاد سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، الى البلاد ثم جاء سمو الأمير الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، فازدادت الفرحة في القلوب واطمأنت الكويت بالبناء الجديد الذي خربه هؤلاء المحتلون الظالمون، فالحمد لله على نعمة التحرير.
د.عجيل النشمي: لا شك ان خبر إعلان تحرير الكويت رسميا والذي كان يوم الثلاثاء 26 فبراير 1991 كان نهاية المأساة الحقيقية من الاحتلال او الغزو الغاشم الذي بدأ من يوم الخميس 2/8/1990 واستمر أكثر من 6 أشهر، وهي مدة حرب عاصفة الصحراء من 17 يناير الى 28 فبراير - 1991 وكانت أشد الأيام التي مرت قبل إعلان التحرير هي أيام الحملة الدولية لتحرير الكويت بقيادة أميركا، والتي بفضل الله لم تستمر طويلا فقط من 24 الى 28 فبراير 1991 لكنها كانت حربا عنيفة بأصوات المدافع وأزيز الطائرات وكانت قوية بشكل كبير، ومع ذلك كان الناس سعداء ومستبشرين بهزيمة منكرة للجيش العراقي.
تلقينا خبر التحرير فكانت فرحة كبيرة لا توصف، رغم ان آثار العدوان والحرائق والدخان الأسود مازال يخيم على البلاد. لكن الفرحة كانت أكبر وكان تجمع الناس في صلاة الظهر ذاك اليوم الذي لا ينسى.
التقينا في المسجد وكانت المساجد - حقيقة - طوال فترة الاحتلال هي مكان تجمع الناس وتكاتفهم، وكان لقاء مهيبا، امتزجت فيه المشاعر ولم نملك أنفسنا، تصافح ومعانقة، وبكاء الفرح تسمعه في أرجاء المسجد، وكانت كلمات التهاني والحمد والشكر لله، وتنادت اللجنة التكافلية عندنا في مشرف والتي تضم ممثلين عن قطع المنطقة الستة، وكانت بحضور دائم ومتابعة حثيثة وتوجيه من العم المرحوم سليمان المخيزيم، من رجالات الكويت المشهود لهم بالعطاء، ومعروفة مناقبه ومناصبه الرسمية، وكان آخر مهامه مختارا لمنطقة مشرف، وكان اجتماع اللجنة مهما لأن توصيل المؤن للأهالي قد توقف أيام الحملة العسكرية التي استمرت 5 أيام، فكان لابد من استئناف العمل، فعادت الشاحنات تذهب الى صبحان لجلب الأغذية، وبدأت سيارات النظافة عملها وكان عملها مهما جدا، ثم انفتحت أبواب الخير من كل مكان مع قدوم الحكومة وأهل الكويت من الخارج.
كما لا ننسى اليوم التاريخي الكبير يوم الخميس 14 مارس 1991 حين وصول صاحب السمو الشيخ جابر، رحمة الله عليه، وقد أطل من سلم طائرته على أرض الكويت ولوح بالسلام والتحية لمستقبليه وكان على رأسهم صاحب السمو الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، وكان هذا يوما كبيرا شاهده العالم أجمع، خاصة حين نزل صاحب السمو من الطائرة وقبَّل أرض الوطن، كان مشهدا مؤثرا.
وقد اصطف المواطنون والمقيمون على جانبي الطريق يحملون الأعلام ويحيون صاحب السمو، رحمه الله رحمة واسعة. ومن الأمور التي نذكرها من أيام البهجة والفرح لنا عودة الديوانيات التي لم تجتمع قرابة 6 أشهر إلا قليلا جدا منذ بدأ الغزو الغاشم.
وقد اكتملت الفرحة بعودة أهالينا من الخارج، ولا ننسى دورهم كمواطنين برعاية الحكومة في الخارج، فقد كان لهم دور أساسي ومهم جدا في دعم وتثبيت من كانوا في الداخل، فالكل كان لحمة وجسدا واحدا. والحمد لله كان يوم فرحة ويوم سعادة، يوم شكر لله تبارك وتعالى.
د.نبيل العون: في محنة الغزو الغاشم على كويتنا الحبيبة وفقنا في تشكيل خلايا من المقاومة الكويتية الباسلة من ثالث يوم الغزو، وتم عقد الاجتماع الأول في منطقة اليرموك في ديوان محمد الفجي، وقد حضر الاجتماع كثير من الضباط والشيوخ، أذكر منهم الشيخ عذبي الفهد والفريق محمود الدوسري، وكثير من زملائى الضباط، ووفقنا في خلخلة فلول كثير من عناصر الجيش العراقي والعملاء الذين كانوا يتعاونون مع النظام العراقي آنذاك، وتم تنظيم مجاميع المقاومة بعد التواصل والاتصال مع أقطاب من الحكومة الكويتية التي بالمنفى، ولله الحمد تم عمل شبكة حماية خفية بين المناطق، وتم دعم كثير من الأهالي والصامدين من أهل الكويت وغيرهم بالإمكانيات المتاحة بين أيدينا من خلال المعلومات التي تأتينا من الخارج عبر جهاز اتصال خاص، حيث تم إبلاغنا بقرب عملية عاصفة الصحراء، وبدأنا الاستعدادات لحماية الأهالي في حال تغلغل عناصر الجيش العراقي بين المناطق والبيوت، ولله الحمد استطعنا ان نضع خطة محكمة للسيطرة على المناطق، لاسيما محافظة العاصمة وحولي والفروانية بسبب قدرة السيطرة عليها، وكذلك وجود عناصر بشرية للمقاومة وأسلحة خفيفة ومتوسطة، وعندما تلقينا خبر بدء عملية تحرير الكويت من خلال الإذاعة والتلفزيون بدأنا بالانتشار بين المناطق واستطعنا منع تغلغل فلول الجنود العراقيين الهاربين ووفقنا في القبض على كتيبتين، وتم انتزاع السلاح منهم ووضعناهم في مدرسة اليرموك وسط حراسة مشددة، بالإضافة الى حماية المناطق الداخلية الى ان وصلت القوات الكويتية داخل العاصمة وتم تسليمهم جميع الأسرى، ومباشرة التحقت بلواء المدفعية كوني ضابط مدفعية، ولله الحمد تحررت كويتنا، وتشرفت بأن أكون أحد أقطاب المقاومة الكويتية مع كثير من الأبطال أمثال الشيخ عذبي الفهد، ومحمد الفجي، والفريق محمود الدوسري، والعقيد عبدالله العون، والسيد عبدالله الشايجي، والعقيد محمد العبيدلي، ود.نبيل الفيلكاوي وأخيه بوطلال الفيلكاوي، ومجموعة كبيرة من المقاومة الكويتية الباسلة.
د.محمد الشرهان: يوم التحرير كنت في سجن أبو غريب مع إخواني الاسرى، ومنهم العم عزت جعفر وابنه محمد والاخوان محمد الفجي ومحمود الدوسري ونعمة الكندري وغيرهم. وعلمنا بالتحرير عند سماعنا الاخبار في راديو في زنزانة يظهر انه كان بهذه الزنزانة احد الضباط العراقيين.طبعا فرحنا وسعدنا جميعا بخبر التحرير وحمدنا الله على فضله ومنته، وكنا حوالي مائة شخص وتم اطلاق سراحنا بعد التحرير بعشرة أيام تقريبا، ولم نصدق اننا طلعنا من أسرنا وحمدنا الله تعالى وسجدنا لله شاكرين.
د.فرحان عبيد الشمري: في يوم التحرير 26 فبراير كنا قد صلينا الفجر بحمد الله ثم رجعنا الى البيوت وجلسنا نستمع للاخبار، ثم فوجئنا بكمية هائلة من صوت الرصاص وأصوات الناس تنطلق في الشوارع، فخرجنا نستطلع الأمر فرأيت أحد الاخوة الكويتيين فسألناه، فقال: انسحب العراقيون من الكويت وأردنا التأكد فذهبنا الى مدرسة بجوار منزلنا وكان بها حراس كثيرون ولما توجهنا للمدرسة وجدناها خالية تماما من أي شخص ووجدنا ناس تأخذ الطعام من طحين وأرز ومعجون طماطم وملح وغير ذلك من الطعام الذي كان بالمدرسة يستعمله العراقيون المحتلون، فأخذت أنا وأخي خليفة من المدرسة بعض الطعام ثم رجعنا للبيت لأخبر الوالد وكان نائما وقتها وايقظته وبشرته بالخبر، وخرجنا بحمد الله بسيارتنا في الشوارع فرحين، ووجدنا كل المدارس التي كان بها الجنود العراقيون خالية تماما منهم الا بعض الافراد الذين قام بأسرهم المواطنون، وكانوا غير مسلحين وسلموا انفسهم، ومعظمهم من الاكراد وكانوا مسالمين.
ورأيت رجل يصلي خارج البيت بسجادته فسألته: لماذا لا تدخل تصلي بالداخل؟ قال لي: الصلاة في البيت المغصوب لا تصح وأنا أصلي خارج البيت، قلت له: انتم اغتصبتم البلد كاملة لا تصح صلاتكم على مذهب الحنبلي، وكان رجل شيبة كبير في السن من الجيش الشعبي الكردي.
وكانت هذه طرفة قابلتها، وبحمد الله خرجنا للشوارع رافعين اعلام الكويت، ورأيت مسيرات كبيرة في الجهراء والعيون وغيرها، ونحن نحمد الله في كل لحظة.
وفي صلاة الظهر اجتمعنا نهنئ بعضنا البعض في المسجد ونحضن بعضنا، ونحمد الله ونشكره على نعمة تحرير الكويت، هذه النعمة الكبيرة العظيمة من الله عز وجل.
علي الحسينان: في الغزو كان عمري 18 سنة وكنت متخرجا من الثانوية العامة، ومن الطريف انه تم قبولي في جامعة الكويت ونشر اسماء المقبولين في الجامعة في الصحف يوم الاربعاء 1/8/1990 وحصل الغزو في اليوم الثاني 2/8/1990، اما عن التحرير في صباح يوم الثلاثاء 26/2/1991 فكنا في البيت لان آخر خروج لنا من البيت كان لأداء صلاة الجمعة وبعدها لم نخرج لعلمنا انه يتم اعتقال الشباب في الشوارع، ففي صباح يوم 26/2 الساعة السابعة تقريبا سمعنا احدا يطرق الباب وتعجبنا من الطارق واذا هو بصديقنا في الفيحاء عادل المفرج اتى يبشرنا بخروج العراقيين من الكويت ولم نصدق الخبر من أول وهلة معقولة خروجهم فجأة.
فدخلت البيت وبشرت اهلي وسجدت شكرا لله وبعدها خرجنا والتقينا بالجيران في الفريج وفي الشارع وتبادلنا التهاني وكانت فرحة لا توصف وتوجهنا الى الدائري الثاني بين الفيحاء والضاحية لنرى مسيرات من السيارات رافعين اعلام الكويت فرحين.وفي ظهر هذا اليوم تحول النهار الى ظلام دامس بسبب الدخان المنبعث من حرق الآبار، وفي المساء طلب منا جارنا ناصر الهويدي وكان ضابطا في الداخلية ومن المقاومة الا نخرج الآن إلى الصباح حتى يستتب الامن جيدا لانه كان ظلاما لانقطاع الكهرباء في الكويت، وبعدها عدنا للعمل في جمعية الفيحاء لاني ايام الغزو كنت متطوعا في الجمعية في الفترة الصباحية، والعصر اشتغل في فرع الغاز الى المغرب، واستمررنا بالعمل حتى تم فتح الحدود وسافرت للعمرة في العشر الأواخر من رمضان
د.بسام الشطي: يوم التحرير يوم رحمة وفرحة وسعادة غامرة فكنا في نعمة وخير كيف تجمعت كل قوى العالم ضد المحتل المجرم واستخدمت معه كل الأسلحة ودحروه فرجع على عقبيه خائبا خاسرا.وكيف دعا أئمة الحرمين في قنوت لم يسبق فكان درسا لصدام ومن معه وعبرة لغيره ممن في قلبه مرض ويلوح باحتلالها فكانت الكويت شوكة وليست لقمة سائغة.كنت موجودا في مصر لإتمام دراستي وكانت لي مقالات يوميا في «الأنباء» وكنت في السعودية ايضا قدمت نفسي جنديا في اي وقت وكنت على تواصل مع المواطنين بين الموعظة وتوفير الحياة الكريمة والقيام بما يحتاجون اليه وقبلها كنت في الكويت نقوم بتصبير الناس وكذلك في الإمامة والخطابة وفي الجمعيات التعاونية وفي الإطفاء ومقبرة الرقة سابقا واليوم اسمها صبحان.وكذلك تزويد الأسر ما يحتاجون اليه فتواصلنا مع تجار المواد الغذائية وطلبوا منا التوقيع على شيك بقيمة المواد وتم توزيعها بحذر شديد.فحتى جاء التهديد الصريح لي ولإخواني من قبل جنود المحتل في مخفر الرقة فأمرني والدي بالخروج فخرجنا واتجهنا الى المدينة المنورة حتى التحرير وأسأل الله أن يجعل بلادنا واحة أمن وأمان ورغد ويكفينا شر كل ذي شر وحاقد وحاسد.
د.خالد الشطي: لم يكن لدينا أي شك نحن أبناء الكويت في أيام الغزو بأن الكويت سوف تعود الى حريتها وسيادتها وحكامها وشعبها، فقد كان الأمل بالله كبيرا بأن يسخر لنا دول العالم لمساعدتنا في تحرير بلادنا من عدو غاشم محتل تنكر لعروبته وعقيدته وجيرانه الذين ساندوه ودعموه، فقد دعمت الكويت ووقفت على مر السنين مع الكثير من دول العالم التي تحتاج الى دعم ومساندة، وساهمت في الإصلاح بين الدول والمتخاصمين والمختلفين، وقدمت مساعداتها الإنسانية والاغاثية والتنموية للمحتاجين والمنكوبين، وكان للكويت ولا يزال رصيد كبير في علاقاتها الديبلوماسية والانسانية على مستوى العالم، ولقد كان لصنائع معروفها الذي عم العالم دور ايجابي عظيم في الوقوف معها اثناء محنتها، وكان لتلك المواقف والأعمال الجليلة التي قامت بها الكويت دور في وقايتها من الخطر والسوء والاحتلال، فصنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات كما قال رسول الله ژ في الحديث الشريف.فتكاتفت وتحالفت دول العالم من خلال الأمم المتحدة باتفاق عالمي لتحرير الكويت من الغزو الغاشم من خلال قوات التحالف التي اشتركت فيها 32 دولة من اجل تحرير الكويت بما تمت تسميتها عاصفة الصحراء.ولقد كنت متيقنا من أول يوم في الغزو أن تحرير الكويت سيكون قريبا، وأن النظام العراقي سيتم دحره وطرده، وزاد يقيني أيام الضربات الجوية على جيش النظام العراقي منذ يوم 16/1/1991 وفي يوم 24 فبراير بدأ الهجوم البري على قوات النظام العراقي المعتدية، وفي يوم 25 فبراير في الساعة الثانية عشرة ليلا كنا نسهر على صوت إذاعات العالم وكان حديثها عن قرب تحرير الكويت وكانت الطلعات العسكرية الجوية تملأ الأجواء.
ففي تلك الليلة كنت أسكن في منطقة الأندلس حيث إقامتي في بيت عديلي الذي كان لديه سرداب في منزله، وكنا نصعد على سطح المنزل ليلا لنترقب التحركات، فرأينا سيارات ومدرعات النظام العراقي تسير بسرعة رهيبة وتشعل إضاءاتها التي امتدت الى السماء، في الوقت الذي تم اطفاء الكهرباء في الكويت، فكنا نرى من فوق السطح طريق الدائري الرابع من جهة والدائري الخامس من جهة اخرى وكانت حركة الجيش العراقي تسير بهلع تام، فتوقعنا أنهم يقومون بالهروب والانسحاب من الكويت، ومع ساعات الفجر كانت أخبار الإذاعات تبشر بتحرير الكويت، وفي الصباح الباكر سمعنا تكبيرات أبناء الكويت في شوارع الأندلس تحمد الله على التحرير، فخرجنا من البيت ورأينا الناس في سياراتهم يرفعون أعلام الكويت مهللين ومكبرين وحامدين، فتم التحرير في يوم 26/2/1991 ولله الحمد والمنة، فقد كان يوما مشهودا وعظيما.