الرئيس 13 للموساد.. كيف يتعامل مع النووي الإيراني؟ وأي تحديات تنتظره في واشنطن؟
خلال المراسيم الاحتفالية بإنهاء يوسي كوهين منصبه رئيسا جهاز الاستخبارات والمهام الخاصة الإسرائيلي (الموساد) ودخول نائبه ديفيد برنيع خلفا له، اختار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الإفصاح للعلن عن المهمة الأساسية لرئيس الموساد الجديد، قائلا "مهمة برنيع ستكون منع إيران من حيازة قنبلة نووية" في إشارة منه إلى تحدي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وذلك مع استئناف الجولة الخامسة لمباحثات فيينا بغية عودة واشنطن للاتفاق النووي.
تصريحات نتنياهو لا تأتي من فراغ، إذ يتولى برنيع منصبه في وقت اقتربت إيران من أن تصبح "دولة نووية" وفقا للتقديرات الإسرائيلية، وعليه سيتعين على رئيس الموساد الجديد بناء الثقة وتقوية العلاقات مع الأميركيين، خصوصا وأن إدارة بايدن تحجم عن التعاون مع نتنياهو الذي انتكس في حملة "حارس الأسوار" والعدوان الإسرائيلي على غزة، وهي المستجدات التي تلزم برنيع تكثيف جمع المعلومات الاستخباراتية لمنع تصاعد نشاط حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين.
يتولى برنيع مهامه رئيسا لجهاز الموساد، وهو يقف عند مفترق طرق دراماتيكي في تصميم الأمن السري لإسرائيل، ففي هذه الأيام يستعد الأميركيون للعودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران، وسيعطي الموساد الأولوية لهذه القضية من أجل إحباط مساعي إيران لتملك سلاح نووي وقدرات صاروخية بعيدة المدى.
سيرة ومسيرة برنياع بالمؤسسة الأمنية والجيش؟
ولد برنيع في 29 مارس/آذار 1965 بعسقلان (أشكلون). وفي سن 15، التحق بالمدرسة الداخلية العسكرية في تل أبيب، بدافع الرغبة في تطوير القدرات القيادية والقتالية في جيش الاحتلال.
يبلغ من العمر (56 عاما) ومتزوج وله 4 أبناء، التحق بجهاز الموساد عام 1996، وتتدرج في مناصب مختلفة، إلى أن عين عام 2019 نائبا لرئيس الموساد كوهين الذي سينهي منصبه في الأول من يونيو/حزيران 2021.
تجند عام 1983 للجيش الإسرائيلي كمقاتل في فوج الاستطلاع بوحدة هيئة الأركان العامة (سييرت متكال) وهي وحدة عسكرية تعتبر من النخب بالجيش الإسرائيلي وخاضعة مباشرة لهيئة الأركان وتصنف مع دائرة المخابرات، هدفها الأساسي والمركزي تجميع معلومات استخبارية من عمق الدول العربية، وعليه دأبت على تدريب أفرادها على كافة أنواع القتال، وخاصة ما تسميه إسرائيل "محاربة الإرهاب".
حصل عام 1992 على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة نيويورك، وعمل كمدير أعمال أول في بنك استثماري في إسرائيل.
عندما التحق بالموساد، انخرط بدورة ضباط جمع المعلومات وتم تعيينه في قسم العمليات، حيث تتلمذ وتقدم بالمناصب من خلال الإشراف والمتابعة للرئيس المنتهية ولايته كوهين، الذي اختاره نائبا له وأوصى نتنياهو بأن يكون برنيع وريثه بالمنصب.
تولى قيادة وحدات العمليات في إسرائيل وخارجها، وفي الفترة بين 2013 و2019، تولى قيادة فرقة "تسوميت" في الموساد، والتي تشرف على تجنيد العملاء من جميع أنحاء العالم، حيث منحت الفرقة برئاسته 4 جوائز من الجيش الإسرائيلي، لكن دون الكشف عن خلفية وأسباب ذلك.
لماذا حصلت فرقة برنيع بالموساد على جوائز الجيش الإسرائيلي؟
في الواقع ورغم التكتم والسرية، في السنوات التي تولى فيها برنيع قيادة فرقة" تسوميت" كان أيضا مسؤولا عن العمليات الرئيسية والكبيرة والمصيرية في تاريخ الموساد، بما في ذلك تلك التي جلبت لإسرائيل المعلومات الاستخبارية الدراماتيكية حول الملف النووي الإيراني وتعزيز القدرة العسكرية لحزب الله، حيث تشير التقديرات، وفقا للصحفي الإسرائيلي والمحلل لشؤون الاستخبارات والأمن يوسي ميلمان، إلى أن برنيع أشرف على اغتيال العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زاده.
وألمح نتنياهو إلى دور برنيع، وهو الرئيس 13 للموساد، إلى العلميات الكبيرة لجهاز الاستخبارات والمهام الخاصة، بالقول "كل عملية تقوم بها هي أكثر جرأة وإبداعا وجنونا من سابقتها" مضيفا "جيمس بوند دمية مقارنة بك، لا يوجد فيلم سينمائي في العالم يوازي ويقارن عمليات الموساد".
ما هي أجندة برنيع في الموساد؟
ما لا يتوقع أن يتغير مع تولي برنيع منصبه هو أجندة الموساد، والجهود المبذولة لجمع المعلومات حول برنامج إيران النووي وإفشال مكوناته العسكرية، إضافة إلى القيام بعمليات إذا لزم الأمر، وفقا لميلمان.
ويرجح ميلمان أن جمع المعلومات الاستخبارية وعمليات مكافحة "الإرهاب" والعمليات الخاصة ضد خطط حزب الله والتنظيمات الجهادية ضد أهداف إسرائيلية ويهودية حول العالم، وحماية المؤسسات اليهودية حول العالم، ستكون في طليعة الأجندة الخاصة ببرنيع، إلى جانب توطيد علاقات الموساد مع وكالات المخابرات الأخرى، وكذلك مع الدول والمنظمات التي لا تربط إسرائيل بها علاقات دبلوماسية. علما أن الموساد لديه حاليا اتصالات مع 150 من الدول والكيانات الاستخباراتية.
ما هي المهام والتحديات التي تواجه الرئيس الجديد للموساد؟
سيتعين على الرئيس الجديد للموساد إيجاد طرق ووسائل جديدة للتعامل مع الملف النووي الإيراني والقدرات الصاروخية لطهران، بحيث سيكون عليه بناء النشاطات والعمليات الاستخباراتية ضد إيران بموجب القاعدة وحجر الأساس الذي وضعه سلفه كوهين، سواء من ناحية تحسين الآليات لجمع المعلومات الاستخباراتية والقدرات التشغيلية والعملياتية ضد المشروع النووي الإيراني.
ووفقا للمحل العسكري للموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" رون بن يشاي، كان برنيع الذراع الطويلة لكوهين بكل ما يتعلق بمهاجمة الأهداف الإيرانية، وحقق معه ما اعتبره "إنجازات مذهلة" خاصة بعد التفجيرات في منشأة نطنز للطرد المركزي التي تنسبها طهران إلى الموساد.
وهذا الأمر، وفقا لتقديرات المحلل العسكري، يلزم برنيع ابتكار واستحداث آليات جديدة للتعامل مع النووي الإيراني، وأيضا الاستغناء عن بعض طرق التشغيل، واتخذا احتياطات أكثر فاعلية من ذي قبل.
الإشكالات التي تعترض رئيس الموساد بالملف النووي ومشروع الصواريخ الإيرانية؟
المشكلة الأساسية أن المشروع النووي والمشروع الصاروخي الذي سيحمل القنبلة النووية إلى أهدافها، وفقا للتقديرات الإسرائيلية، يواصلان التقدم بالوتيرة التي يريدها الإيرانيون. ونتيجة لذلك، اقتربت إيران بالفعل من أن تكون "دولة نووية" وعلى مسافة تقدر بعام ونصف العام من القدرة النووية الأولية لتضم منشأة متفجرات نووية فعالة.
ستتفاقم هذه المشكلة، من وجهة النظر الإسرائيلية، عندما تعود الولايات المتحدة وإيران إلى الاتفاق النووي لعام 2015، بعد انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018، وفرض عقوبات اقتصادية على إيران.
ومن المرجح أن يحد الأميركيون من نشاط وعمليات جهاز الموساد بتفجير المنشآت النووية واغتيال العلماء الإيرانيين، وهي عمليات نفذها الموساد في السابق، وقد يرغب بتنفيذ مثل هذه العمليات في المستقبل.
كيف سيتعامل رئيس الموساد مع الإدارة الأميركية؟
مع العودة المرتقبة لأميركا للاتفاق النووي، سيكون لزاما على برنيع أولا بناء الثقة وتطوير وتعزيز العلاقات مع مجتمع الاستخبارات الأميركية ومع كبار مسؤولي إدارة بايدن، والعمل سويا مع البيت الأبيض بصياغة إستراتيجية وأساليب عمل تتفق عليها واشنطن وتل أبيب.
ويرجع الأساس لتعزيز التعاون والثقة إلى حقيقة أن إسرائيل ستحتاج إلى مساعدة عسكرية وسياسية أميركية إذا اقتربت إيران من القدرة النووية، وستحتاج إلى العمل المشترك أو بشكل منفصل لكن بدعم أميركي.
العراقيل الداخلية التي قد تعترض برنيع بمهامه في معالجة النووي الإيراني؟
الملف النووي الإيراني من أهم مهام برنيع، لكن لن يكون الأمر سهلا إذا عين نتنياهو كوهين (رئيس الموساد المنتهية ولايته) مبعوثا خاصا له للشؤون الإيرانية، إذ إن إدارة بايدن مترددة في التعاون مع نتنياهو، وكوهين، مهما كان موهوبا، ومرتبطا جدا بنتنياهو.
وعليه، إذا أصبح نتنياهو رئيسا للوزراء، فسيكون كوهين أيضا نوعا ما "رئيس موساد مواز" ويجب على برنيع أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار، وقد يخشى تطوير مبادراته وعملياته الخاصة، بسبب السطوة المتوقعة لنتنياهو إذا ما بقي رئيسا للوزراء، وفقا للمراسل السياسي لصحيفة "يديعوت أحرونوت" إيتمار إيخنر.
إضافة إلى ذلك، سيتعين على رئيس الموساد الجديد زيادة جمع المعلومات الاستخباراتية بشكل كبير لمنع تعاظم نفوذ حماس والجهاد الإسلامي وتعاظم القوة العسكرية لفصائل المقاومة بعد عملية "حارس الأسوار" لا سيما أن هذا الملف لم يكن في صلب عمل الموساد، وإن كان شريكا مع مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية بملف تسليح الفصائل الفلسطينية وترسانتها العسكرية.