عائلات العائدين من جامعات أوكرانيا يخشون المجهول في تونس
تونس – “القدس” دوت كوم – (د ب أ) –التقط محمد علي الرتازي نفسا عميقا بمجرد أن تخطى بوابة الجمارك في مطار تونس العاصمة قبل أن يلتقي عائلته في قاعة الانتظار بعد رحلة إجلاء داخل الأراضي الأوكرانية كانت أشبه بالكابوس.
حطت الطائرة العسكرية التي خصصتها السلطات التونسية في رحلة إجلاء عبر بولندا بمدرج المطار المخصص عادة لرحلات الحجيج حذو مطار قرطاج الدولي،كانت عينا محمد غائرتين والإرهاق باديا على جسمه المتثاقل والقلق باديا على قسمات وجهه.
وقال محمد لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) ، وهو يهم بمغادرة المطار إلى مدينته منزل بوزلفة بولاية نابل 60/ كيلومترا شرق العاصمة/ :”لا يمكن أن نطلب أكثر من السلطات التونسية، الوضع معقد في أوكرانيا ، واجهنا صعوبات ومتاعب على الحدود مشينا كثيرا على أرجلنا، لا ندري الآن كيف ستكون الخطوة التالية”.
ويروي محمد أنه ترك كل امتعته في مدينة مالتوفا حيث يدرس واتجه نحو الحدود البولندية عبر القطار ثم اضطر للمشي قرابة 50 كيلومترا قبل الوصول بسبب توقف المواصلات البرية ، واختبأ بإحدى محطات المترو مع تزايد القصف الروسي.
وأمضى ثلاثة أيام في المنطقة الحدودية مع تساقط الثلوج ودرجة حرارة تحت الصفر قبل أن تبدأ السلطات التونسية في عمليات إجلاء عبر ممثليها الديبلوماسيين في رومانيا وبولندا.
مع ذلك واجه محمد والمئات من الطلبة التونسيين تعقيدات بيروقراطية قبل الدخول إلى الأراضي البولندية والرومانية التي تتبع فضاء شنجن بسبب التأشيرات، على عكس الأوكرانيين الذين منحوا صفة لاجئ على الفور وعبروا الحدود بسلاسة.
وأجلت تونس في ثلاث رحلات شارك بها سلاح الجو التونسي أكثر من 400 من الرعايا التونسيين أغلبهم من الطلبة، وتتوقع السلطات إجلاء 600 شخص في باقي الرحلات المبرمجة.
وقالت رجاء يعقوبي إن ابنتها نجوى ،التي تدرس سنتها الثانية طب بجامعة دينيبرو، غادرت المدينة بحقيبة صغيرة فقط بداخلها جهاز حاسوب وتركت باقي امتعتها.
وتابعت رجاء :”قطعت ابنتي المسافة على متن القطار واضطرت للمشي مسافة تناهز 20 كيلومترا على الأقدام قبل الوصول إلى الحدود،ظللت اتحدث معها طوال الليل، ابنتي لا تعرف أغلب الأماكن في أوكرانيا ولكن تواصلت مع باقي الطلبة على مواقع التواصل الاجتماعي ،تعاونوا في ما بينهم للنجاة بانفسهم”.
وكان الحظ أرفق حالا بالطالبة جيهان الجميعي في نفس المدينة إذ كشفت والدتها منجية عن أن تونسيا مقيما في أوكرانيا تكفل بتخصيص خمس حافلات لإجلاء الطلبة التونسيين حتى الحدود الرومانية.
وقالت منجية لـ(د. ب. أ) “الحمد لله كان إجلاء منظما لكن الضغط كان في الحدود حيث الطوابير كانت طويلة”.
وتنتاب الآن مشاعر القلق عائلة محمد علي الرتازي وباقي العائلات التي كانت تنتظر أبناءها في المطار، من مصير مجهول يلوح في الأفق في ظل توقعات دولية بتعقد النزاع على الأرض في أوكرانيا.
ويدرس محمد منذ ثلاث سنوات في مالتوفا ، من بينها عام قضاه في تعلم اللغة الروسية ، وهو يخطط للتخصص في طب الأسنان، في بداية النزاع وجد نفسه بين نارين، من جهة كان الخطر يتهدد حياته ومن جهة ثانية لا يمكنه المغادرة إلا بموافقة الجامعة لأنها أعلنت أنها لن تتحمل مسؤولية غيابه عن الدراسة.
وفي نهاية المطاف ، غادر بترخيص مبرر من الجامعة مع تزايد القصف الروسي وتوغله نحو المدن الأوكرانية، كانت مالتوفا حتى ذلك الوقت في منأى عن القصف لكن محمد يروي أن بعد مغادرته بدأ سلاح الجو الروسي بتنفيذ هجمات خاطفة عليها.
وقالت شقيقته الكبرى التي قدمت من ولاية نابل لاستقباله بالمطار لـ(د. ب. أ) :” منذ أن بدأت الحرب نحن لا ننام في الليل، نشعر بخوف دائم مما قد يحصل ،ثلاث سنوات ونحن ندفع لأوكرانيا حتى يستمر في دراسته ولا يضيع مستقبله، يريد الاستمرار في حلمه الدراسي الذي لم ينله في بلاده هنا”.
وتابعت وهي تبكي :”الآن أخي عالق في قشة ولا شيء واضح، هل سيعودون بعد الحرب؟ لا نعرف ما إذا كانت الجامعات التونسية ستقبل بإدماج العائدين وما إذا كانت ستقبل بمعادلة النظام الدراسي الأوكراني”.
والأسئلة ذاتها تخامر أذهان معظم العائلات التي قدمت من عدة مدن داخل البلاد لاستقبال أبنائها في المطار ، بينما لم تعلن السلطات في تونس عن أي خطط بشأن مستقبل الطلاب العائدين من أوكرانيا.
وتدفع الكثير من العائلات التونسية بأبنائها الراغبين في دراسة الطب إلى الجامعات الأوكرانية والرومانية بسبب الشروط التي تفرضها جامعات الطب في تونس من تحصيل علمي عالي قبل قبولهم، ولكن عائلات قالت إن تفشي المحسوبية والفساد في المؤسسات الجامعية اضطرها إلى مساعدة أبنائها على الهجرة للدراسة في الخارج.
وتحولت قاعة الانتظار في المطار إلى ساحة هايدبارك لمناقشة الخطوة التالية التي يتوجب عليهم سلوكها من أجل الضغط على السلطات، ومن بين المقترحات التي جرى طرحها توزيع أبنائهم على جامعات الطب في تونس أو إخضاعهم إلى اختبارات قبل ادماجهم ومنحهم شهادات معادلة رسمية لما درسوه في أوكرانيا.
وعلق عدد آخر آماله على انتهاء الحرب قريبا أو الاستمرار عبر برامج التعليم عن بعد، لكن هذا الخيار يتوقف على قرار الجامعات الأوكرانية.
وقالت رجاء يعقوبي :”نحن ننتظر الآن الحلول من الدولة، هل سيبقى ابناؤنا في المنازل بعد كل هذه التضحيات ، كل الآباء هنا تعبوا وخسروا أموالا من أجل أبنائهم، هل سيذهب هذا هباء، على الدولة أن تدمج أبناءنا في الجامعات”.
وقالت منجية الجميعي ، وهي تحضن ابنتها في المطار :”نطلب الآن أن لا يضيع العام الدراسي، أنا ووالدها انفقنا في خلال ستة أشهر فقط 30 ألف دينار… أملنا الوحيد الآن في الدولة”.