ألغاز كورونا تستمر.. هزمه أسمن رجل في العالم، و4 من عائلة واحدة ظهر عليهم بشكل مختلف
يبدو أن ألغاز فيروس كورونا المستجد تتوالى، وآخرها تسببه بأعراض مختلفة عند 4 أشخاص من عائلة واحدة، ونجاة رجل منه يعاني من البدانة الشديدة؛ لماذا لا يصيب فيروس كورونا الجميع بنفس الطريقة؟
اللغز الأول: 4 أفراد من عائلة واحدة بـ4 نتائج مختلفة لعدوى كورونا
أصيبت عائلة روزبيني في سانيفيل بولاية كاليفورنيا بفيروس كورونا في أوائل أبريل/نيسان؛ لكن بأعراض ومسارات تعافٍ مختلفة.
وقالت الكاتبة سوماثي ريدي في تقرير بـ"وول ستريت جورنال" (Wall Street Journal) إن 4 أفراد من العائلة تطور معهم المرض كالتالي:
تم نقل دييغو روسبيني، عالم الكمبيوتر (53 عاما)، وله تاريخ مرضي للإصابة بالربو، إلى المشفى لمدة أسبوع في أوائل أبريل/نيسان، وتعامل مع مشاكل في الجهاز التنفسي والتعب حتى أغسطس/آب.
عانت زوجته، كوني لاريس، المترجمة الطبية (48 عاما) في مشفى ستانفورد للأطفال، من حمى منخفضة الدرجة، وآلام في الجسم، وإسهال، وهبات ساخنة؛ لكن بحلول شهر يونيو/حزيران، شعرت أنها بحالة جيدة بما يكفي لتسلق جبل يبلغ ارتفاعه 14 ألفا و500 قدم.
الابنة ناتاليا (17 عاما)، كانت بالكاد قادرة على تناول الطعام لأشهر، وتعاملت مع التشويش والتعب.
الابن سانتياغو (12 عاما)، لم تظهر عليه أية أعراض باستثناء "زيادة الشهية" (increased appetite) وحمى منخفضة الدرجة لبضعة أيام، على الرغم من معاناته من حالة خلقية في القلب.
وقالت الكاتبة ريدي إنه حاليا يدرس باحثون في جامعة ستانفورد وكولومبيا سبب ظهور أعراض فيروس كورونا على الأشخاص بشكل مختلف.
وعائلة روزبيني حاليا هي جزء من دراسة تجريها جامعة ستانفورد (Stanford Medicine study) اسمها "دراسة طويلة الأجل للمناعة" (The Long Term Immunity study)، وهي تبحث في الاستجابة المناعية لمرضى كوفيد-19 في 200 مشارك.
وتتنوع أعراض المشاركين، ولا يمكن تفسير جميعها بالوراثة، كما تقول كاري نادو، أستاذة الطب وطب الأطفال في جامعة ستانفورد، والتي تشرف على الدراسة.
وتقول نادو "حتى داخل عائلة واحدة تصاب بنفس سلالة الفيروس في نفس الوقت ولديها نفس الجينات الكامنة، فإن الأعراض التي يظهرها الناس يمكن أن تكون مختلفة".
اللغز الثاني: "أسمن رجل في العالم" يتغلب على كورونا
تغلب المكسيكي خوان بدرو فرانكو، صاحب لقب "أسمن رجل في العالم" في موسوعة غينيس للأرقام القياسية سنة 2017، على كوفيد-19 بعد شهر من إصابته بالفيروس علما أنه يزن اليوم نحو 200 كيلوغرام. وفي الوقت نفسه توفيت والدة فرانكو؛ بسبب إصابتها بفيروس كورونا عن 66 عاما.
وقال الرجل البالغ 36 عاما لوكالة الأنباء الفرنسية من منزله في ولاية أغواسكاليينت (وسط المكسيك) "لقد كان الأمر معقدا؛ لأن المرض ينتشر بسرعة، وأنا من الأشخاص الذين يواجهون مخاطر أكبر (بسبب البدانة). كنت أعاني أوجاعا في الرأس وآلاما جسدية وارتفاعا في الحرارة وصعوبة في التنفس".
وكان وزن خوان بدرو فرانكو قد وصل إلى 595 كيلوغراما، ورغم أنه فقد قسما كبيرا من الوزن الزائد، وبات يزن حاليا 208 كيلوغرامات، فإن المشكلات المرتبطة ببدانته منها السكري وارتفاع ضغط الدم وإصابته بمرض رئوي، كلها عوامل عقدت معركته ضد الفيروس.
من جهته قال الطبيب خوسيه أنتونيو كاستانييدا، الذي قاد الفريق الذي عالج بدانة فرانكو إن "المرضى الذين يعانون السكري أو ارتفاع ضغط الدم أو أي أمراض قلبية وعائية هم أكثر عرضة للإصابة بمضاعفات خطيرة" في حال الإصابة بكوفيد-19، كما أن "فرص الشفاء ضئيلة جدا".
رغم ذلك، نجح مريضه في التغلب على المرض.
ويرى خوان بدرو فرانكو أن العلاجات المعقدة التي اتبعها لفقدان الوزن، وخضوعه لـ3 عمليات جراحية، عوامل أدت دورا إيجابيا في المساعدة على "مواجهة المرض"، في ظل سيطرته على مشكلات السكري وارتفاع الضغط.
اللغز الثالث: الوفيات متدنية لدى الأطفال لكن الإصابات ترتفع لدى المراهقين
وفقا لمعطيات من المراكز الأميركية لمراقبة الأمراض والوقاية منها "سي دي سي" (CDC)، ونقلتها وكالة الأنباء الفرنسية، فقد سُجل فارق لافت في الإصابات بكورونا بين الأشخاص فوق 11 عاما ومن هم دون هذه السن، فقد كانت نسبة الإصابات مضاعفة لدى الأطفال بين 12 عاما و17، مقارنة مع أولئك الذين يراوح عمرهم بين 5 سنوات و11.
وفي تحليل نشرته على موقعها الإلكتروني في 10 سبتمبر/أيلول، اعتبرت المراكز الأميركية أنه بحسب السيناريو الأكثر ترجيحا، كانت نسبة الوفيات من الإصابات المؤكدة تبعا للفئة العمرية 0.003% (0-19 عاما)، و0.02% (20-49 عاما) و0.5% (50-69 عاما) و5.4% (70 عاما وما فوق).
وبصورة عامة، أظهرت دراسات عدة في الولايات المتحدة أن الأطفال أقل عرضة للإصابة بأشكال خطيرة من كوفيد-19 مقارنة مع البالغين، رغم أنهم ليسوا محصنين تماما.
ويستمر الجدل العلمي لفهم ما إذا كان الصغار يصابون بالدرجة عينها كالبالغين بالمرض أم بدرجة أقل، وخلص تحليل نشرته مجلة "جاما بيدياتريكس" (JAMA Pediatrics) -ونقلته وكالة الأنباء الفرنسية- الأسبوع الماضي، وجمع القائمون عليه بيانات من 32 دراسة في الموضوع، إلى أن الأطفال والمراهقين دون سن 20 كانوا في الواقع أقل عرضة بنسبة 44% للإصابة بالمرض؛ إلا أن التحليل عينه لم يستطع الجزم ما إذا كان الأطفال ينقلون العدوى بالقدر عينه كالبالغين أم بنسبة أقل.
اللغز الرابع: التشوهات الوراثية وفيروس كورونا
توصل باحثون إلى أن الإصابة بأشكال مهددة للحياة من كوفيد-19 يمكن تفسيرها من خلال التشوهات الوراثية لدى المرضى الحاملين للفيروس، وذلك وفقا لتقرير نشرته صحيفة "لوبوان" (le point) الفرنسية، للكاتب بودوين إشاباس.
فما هي العوامل التي تفسر الإصابة الحادة للبعض بفيروس كوفيد-19 بينما تكاد الأعراض تكون غير واضحة بالنسبة للكثيرين؟ ولماذا تتفاقم العدوى في بعض المجموعات السكانية دون غيرها؟ ولماذا تتباين الأعراض بين المصابين؟
وقال الكاتب بودوين إشاباس إن الباحثين يعملون على إيجاد أجوبة لهذه الأسئلة، تفسر الاستعدادات الوراثية والمناعية الاختلافات في تفاعل أجسام الأفراد مع فيروس كورونا، ويعد اكتشاف هذا الأمر مهما للغاية؛ لأنه يفتح الباب أمام إمكانية تحديد المرضى المعرضين للخطر، وبالتالي توقع تدهور حالتهم الصحية.
ويعمل فريق بحث فرنسي أميركي تحت إشراف عالم المناعة جان لوران كازانوفا ولوران أبيل على تفسير سبب إصابة البعض؛ أي حوالي 15% من مجموع الحالات، بأشكال مهددة للحياة من "كوفيد-19″.
وفي يناير/كانون الثاني، تأسس اتحاد دولي يهدف إلى اكتشاف العيوب الخلقية في المناعة الكامنة وراء الأشكال الشديدة من كوفيد-19. خلال هذه البحوث، خضع 659 شخصا مصابا بأشكال مهددة للحياة من كوفيد-19 لسلسلة من التحاليل، التي تستهدف الآليات المحددة للمناعة، ثم قورنت هذه الاختبارات مع فحوصات 534 شخصا حاملين لفيروس كورونا دون ظهور أعراض عليهم.
أشرف على هذا العمل المعهد الوطني للصحة والبحوث الطبية ومستشفيات المساعدة العامة في باريس و"معهد هوارد هيوز الطبي" (Howard Hughes Medical Institute) في نيويورك. ونشرت نتائج البحث في مجلة "ساينس" (science).
وخلال مؤتمر صحفي عقد في 25 سبتمبر/أيلول، أشار الأساتذة ستانيسلاس ليونيت وجان لوران كازانوفا ولوران أبيل إلى أن فرقهم حددت نقطة مشتركة بين المرضى، الذين يصابون بأشكال مهددة للحياة من كوفيد-19، موضحين أن الطفرات الجينية تعيق إنتاج "الإنترفيرون من النوع الأول" (type I interferon activity)، الذي عادة ما يكون له نشاط قوي مضاد للفيروسات.
وقد لاحظ الباحثون أن لدى بعض المرضى تشوهات وراثية تقلل من إنتاج النوع الأول من الإنترفيرون، بينما وجدوا لدى مرضى آخرين التشوهات الوراثية التي تقلل من فعالية الإنترفيرون نفسه.
ومن جانبه، أوضح كريستوف دينفرت، المدير العلمي لمؤسسة الأبحاث الفرنسية، "تم استكشاف مسار الإنترفيرون من النوع الأول منذ عدة أشهر في معهد باستور، كما أن هذه الجزيئات القوية المضادة للفيروسات التي لوحظت آثارها بالفعل في علاج مرض الإيدز تفتح آفاقا جديدة لعلاج كوفيد-19".