القيادية الاشتراكية المغربية حنان رحاب: الحكومة ذات نزعات ريعية وبعيدة عن مفهوم الدولة الاجتماعية كلمات مفتاحية
قالت القيادية السياسية المغربية حنان رحاب إن حزبها «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» كان سباقا لطرح مفهوم الدولة الاجتماعية في أدبياته وبرامجه الانتخابية، وأوضحت أن ثمة بونا شاسعا بين التوجيهات الملكية في هذا الصدد وبين عمل الحكومة الحالية.
وفي حديث لـ«القدس العربي» أشارت البرلمانية السابقة إلى أن «مثل هذه الأوقات الحرجة تتطلب تضامنا بين الدولة والمجتمع وتضامنا مجتمعيا بيننا» وقالت إن «المغاربة يمكن أن يعبروا هذه المرحلة الصعبة بخسائر أقل على السلم الاجتماعي إذا ما أحسوا بنوع من العدالة في تحمل كلفة الأزمة بين مختلف شرائح المجتمع».
وأعربت عن اعتقادها بأن الائتلاف الثلاثي الذي يقود الحكومة المغربية فضّل خنق المعارضة اعتمادا على قوانين داخلية، وبالتالي استأثر بالمؤسسة التشريعية التي تحولت إلى رجع صدى للمجلس الحكومي، وفق قولها. وفي ما ياتي نص الحوار.
○ يحتفل العالم بيوم المرأة، في رأيك إلى أي حد تحققت مطالب المرأة المغربية في الكرامة والعدالة الاجتماعية وإقرار مختلف حقوقها؟ أم أن النضال ما زال طويلا على هذا المستوى؟
• إن الجواب على هذا السؤال يقتضي القيام بعملية قياس حتى يمكن تحديد مستوى تطور وضع المرأة المغربية بموضوعية، فقياسا إلى الماضي لا يمكن أن ننكر أن تقدما كبيرا قد تم تحقيقه، سواء على مستوى المدونات الحقوقية، أو على مستوى حضور النساء في مجالات المعرفة والعمل والرياضة والثقافة والفن. أما إذا قسنا وضع النساء في المغرب قياسا إلى وضعهن في المحيط الإقليمي، فكذلك سنجد أن وضع النساء في المغرب عموما أفضل من وضعهن في باقي الدول العربية والإسلامية، وذلك بسبب الإرادة الملكية التي عبر عنها الملك منذ اعتلائه العرش والتي ترجمها في إجراءات عديدة للنهوض بالمرأة، وبفضل كذلك نضال الحركات النسائية والأحزاب التقدمية والنخب الحداثية.
لكن، بالطبع لم نصل بعد للمنشود، وذلك لأسباب مختلفة، منها ما هو مرتبط بممانعات مجتمعية ما زالت تقاوم تفكيك البنيات الذكورية والباطرياركية المتحكمة، ومنها وجود تيارات سياسية وتعبيرات هوياتية لها امتدادات جمعوية تمتح من مشروع الإسلام السياسي المناهض للمساواة بين النساء والرجال، ومنها تلك المرتبطة بسيرورة النضال النسوي، فحتى مطالب النساء بدورها تتطور تبعا للتطورات التي تقع في العالم، وتبعا للمكاسب التي يتم تحقيقها.
○ يتجه المغرب حاليا إلى ترسيخ مفهوم الدولة الاجتماعية، من خلال عدة مشروعات يرعاها العاهل المغربي محمد السادس، برأيك إلى أي حد يستطيع البرنامج الحكومي تجسيد هذا المفهوم؟
• قبل الجواب عن هذا السؤال، أذكر فقط أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هو الحزب الوحيد الذي كان يطرح في أدبياته وبرامجه الانتخابية مفهوم الدولة الاجتماعية قبل حتى جائحة كوفيد-19 التي جعلت هذا المطلب عالميا، حتى في عقر الدول الرأسمالية الأكثر نزوعا نحو «النيوليبيرالية». وفي اعتقادي، أن هناك بونا شاسعا بين التمثل الملكي لمفهوم الدولة الاجتماعية والذي يتجسد في التوجيهات التي قدمها للجنة «النموذج التنموي الجديد» وفي إشرافه على ورش الحماية الاجتماعية التي تتضمن تعميم التغطية الصحية والتقاعد والتعويض عن فقدان الشغل وغيرها من الإجراءات الهادفة لحماية الفئات الهشة، وفي تدخله الأخير لحماية فقراء الفلاحين المتضررين من الجفاف الذي ضرب المغرب هذه السنة، وأنتم تعرفون أن القطاع الفلاحي من القطاعات الحساسة في المغرب، قلت إن هناك بونا شاسعا بين الرؤية الملكية وبين ما تقوم به الحكومة، التي سواء في تصريحها الحكومي من أجل نيل ثقة البرلمان، أو في قانون ماليتها أبانت أنها حكومة لا تختلف عن الحكومات المحافظة السابقة، فعلى سبيل المثال لا يمكن تصور دولة اجتماعية من دون دولة قوية تقوم بمهام الاستثمار والتقنين والمراقبة، ومن ثم التوزيع العادل للثروات. ولكن، حين نعود لميزانيات الاستثمار نجدها ضعيفة، فمن أين سترفع الدولة مداخيلها لتقوية خدماتها الاجتماعية؟ وكيف ستساهم في خلق فرص شغل؟ وبالمقابل، فإنها لجأت للحل السهل وهو رفع الضريبة على القيمة المضافة عند الاستهلاك، ورفع بعض الضرائب عند الاستيراد، ما سينعكس على الدخل الفردي للمواطنين سلبيا، مع الاستمرار في تمويل الميزانية العامة من الضريبة على الدخل، والتي يأتي الجزء الأكبر منها من دخول الأجراء والموظفين، خصوصا وقد رفضت الحكومة فرض ضريبة تصاعدية على الثروات، وبالتالي لا يمكن الحديث عن أي تملك لدى الحكومة لمفهوم الدولة الاجتماعية، بل هي حكومة بنزوعات ريعية.
الأوقات الحرجة
تتطلب تضامنا بين الدولة والمجتمع
○ في مقابل ذلك، ثمة احتقانات في الشارع المغربي نتيجة الزيادات المتتالية المتوالية في أثمان المحروقات والمواد الاستهلاكية وغيرها، ما المطلوب لامتصاص غضب المواطن الذي كان يعلق آمالا عريضة على حكومة أخنوش، مع العلم أن هذه الأخيرة تتذرع بالسياق الدولي لتلك الزيادات؟
• صحيح أن هناك سياقا دوليا غير مساعد على استقرار الأسعار، ويهدد حتى فرص الشغل، وقد نشهد إغلاق وحدات صناعية إذا تمددت الحرب الأوكرانية، ولكن ليس هو العامل الوحيد في ارتفاع الأسعار بالمغرب.
فإذا كان التنافس الشريف بين الحكومة والمعارضة يجعلنا لا نحمل للحكومة مسؤولية ارتفاع أسعار المحروقات والحبوب والزيوت في السوق الدولية، ولا مسؤولية تداعيات كوفيد-19 سواء أثناء الجائحة، أو بعد الخروج التدريجي منها الذي خلق طلبا متزايدا على الطاقة في ظل عرض غير متوازٍ مع هذا الطلب، كما لا يمكن تحميلها شح الأمطار، ولا تداعيات ما يقع في أوكرانيا، ولكن الحكومة تتحمل مسؤولية عدم قدرتها على ابتداع إجراءات مواكبة، كما قام الملك حين تدخل لضمان الاستقرار في العالم القروي (الأرياف) بعد أن تأخر التدخل الحكومي، كما عجزت عن أن تكون لها رؤية استباقية.
أثناء مناقشة قانون المالية، كان فريقنا البرلماني ينبه الحكومة إلى أن الأرقام التي تقدمها غير منطقية، لأن كل المؤشرات آنذاك كانت تدل على استمرار ارتفاع أسعار المحروقات، وأن السنة الفلاحية لن تكون جيدة، وإلى اليوم نطالب بقانون مالية تعديلي لمواكبة هذه المستجدات، ولكن الحكومة ترفض، بل إنها رفعت من الضريبة على القيمة المضافة عند الاستهلاك. والخطير هو إحساس المواطن البسيط أنه من عليه أن يدفع فاتورة أي أزمات اقتصادية سواء على المستوى المحلي أو العالمي، ولذلك كنا نطالب بفرض ضريبة تصاعدية على الثروة. ومن منظورنا، فإن مثل هذه الأوقات الحرجة تتطلب تضامنا بين الدولة والمجتمع، وتضامنا مجتمعيا بيننا، فالمغاربة يمكن أن يعبروا هذه المرحلة الصعبة بخسائر أقل على السلم الاجتماعي إذا ما أحسوا بنوع من العدالة في تحمل كلفة الأزمة بين مختلف شرائح المجتمع.
○ وما هو دور أحزاب المعارضة في هذا المجال؟
• إن المعارضة البرلمانية تعيش واحدة من أصعب فتراتها، ذلك أن الأحزاب الثلاثة التي تصدرت الانتخابات، فضلت تشكيل أغلبية مهيمنة، رغم أن حزبا كان في الائتلاف الحكومي السابق، والحزبان الآخران كانا معارضين له ولباقي شركائه في الحكومة. وهذه الهيمنة المطلقة جعلت حضور المعارضة سواء في الجلسات العامة أو في أعمال اللجان ضعيفا. لقد فضل هذا الائتلاف خنق المعارضة اعتمادا على قوانين داخلية، وبالتالي استأثر بالمؤسسة التشريعية التي تحولت إلى رجع صدى للمجلس الحكومي، وبالتالي فهامش تحرك المعارضة تقلص كثيرا، ومع ذلك قدمت المعارضة عدة مقترحات مشاريع لتخفيف الأزمة، ولكنها رفضت، أو لم تتم برمجتها من أجل التداول فيها، وساءلت المعارضة الحكومة على أدائها وسياساتها، وحاولت تنبيهها إلى مآلات تدبيرها الذي نعتبره ليس في مستوى تحديات المرحلة، لكن للأسف الحكومة تهرب من المواجهة مختبئة خلف أغلبيتها المهيمنة التي تسهل لها رفض كل ما يأتي من المعارضة، ومختبئة خلف القانون الداخلي الذي لا يمنح سوى دقائق معدودة للمعارضة على حسب المقاعد المحصل عليها.
○ يتحدث حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي يوجد في المعارضة عن تغول الحكومة، إشارة إلى ما يعتبره هيمنة أحزاب الأغلبية الثلاثة (التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، الاستقلال) على المؤسسة التشريعية، وكذا على المجالس المنتخبة المحلية، بجانب وجودها في الجهاز التنفيذي، بينما تتحدث هي عن كون المسألة نتيجة لما أفرزته صناديق الاقتراع، هل نحن فعلا أمام مسار ديمقراطي طبيعي؟ أم أمام خلخلة لموازين القوى السياسية؟
• يجب أن نعيد النظر في مفهومنا للديمقراطية، فالديمقراطية ليست هي انتخابات فقط تفرز أغلبية وأقلية، هذه فقط واحدة من تجليات الديمقراطية من مجموعة من الإجراءات الأخرى كالتداول السلمي على السلطة، وحرية الرأي والتعبير، والتدبير السلمي للخلافات، والاحتكام للقانون والدستور، وهذه الإجراءات بدورها تبقى شكلية إذا لم تكن منسجمة مع روح وقيم الديمقراطية التي تتجلى في حماية الأقليات والتعددية والمساواة والحريات، وبالتالي لا يمكن لأي نتيجة انتخابية أن تهدد هذه القيم.
ولذلك، فإننا لا نطعن في نتائج الانتخابات، ولا ننازع هذه الأحزاب في سعيها نحو بناء ائتلاف حكومي قوي، ففي الأمر احترام للشكليات الديمقراطية، ولكننا نقول إن هذه الإجراءات الشكلية تهدد واحدة من مبادئ الديمقراطية وهو مبدأ التعددية، فاليوم المجلس الحكومي والبرلمان بغرفتيه ومجالس الجهات كلها ومجالس المدن الكبرى والغرف المهنية كلها بيد هذا الائتلاف الأغلبي، وهذا وضع غير مسبوق في الحياة السياسية المغربية التي حتى في سنوات الجمر والرصاص كانت تُبقي هوامش لتحرك المعارضة، كان من الممكن أن يكون الأمر مقبولا لو كانت هذه الأحزاب الثلاثة منسجمة من حيث المرجعية الإيديولوجية، كنا سنعتبر أن الأمر يدخل في بناء حكومة منسجمة وقوية ومتجانسة، وكنا سنعتبر الأمر مكسبا وتطورا، ولكن هذا الائتلاف يضم حزبا يصف نفسه بيمين الوسط، وآخر حزب وطني محافظ، والثالث ما زال يبحث عن هويته لأنه هجين وإن كان أقرب إلى اليمين، كما أن الحكومة هي خليط من رجال الأعمال والتكنوقراط بدون هوية سياسية واضحة، وقليل من السياسيين، ولذلك اعتبرناها أغلبية تغوّل من جانب أنها تعبر عن طبقة الأعيان ورجال المال والأعمال الذين استحوذوا على المؤسسات المنتخبة، ولا تعبر عن قوى سياسية واضحة المرجعية والرؤية والإيديولوجيا.
○ ننتقل إلى محور آخر، يسعى المغرب إلى إعادة تحالفاته على مستوى العلاقات الدولية، وفي هذا الإطار يندرج البعد الأفريقي للسياسة المغربية في أبعادها الدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والروحية، ما تقييمك لهذا التوجه؟
• أعتقد أولا أنه من عناصر قوة الدبلوماسية المغربية هو أنها من المجالات المحفوظة للمؤسسة الملكية، وهو ما يجعلها خاضعة لاستراتيجيات متوسطة وبعيدة المدى لا تتأثر بتغير الحكومات، وثانيا أعتقد أن كل المراقبين الدوليين يشيدون بالتوجه الأفريقي للمغرب، والقائم على شراكات رابح / رابح، وعلى إيمان بوجود تكامل قاري بين الدول الأفريقية يمكن أن يقلص من اعتمادها على القوى الكبرى التي تستنزف خيراتها، وقد اعتمدت هذه السياسة على خيارات متعددة، تبتدئ بتقديم مساعدات للدول الفقيرة، وأحيانا التشطيب على بعض الديون، وخلق استثمارات في دول أخرى في الأقطاب التي يعتبر المغرب رائدا فيها أفريقيا، وبالتالي أصبحت المقاولات المغربية سواء العمومية أو الخاصة في مقدمة المستثمرين في القارة، وخصوصا في مجالات الاتصالات والبنوك والخدمات والعقار والمناجم والصناعات الغذائية والأسمدة، ويبقى أكبر مشروع يشتغل عليه المغرب في رأيي هو التقليل من النزاعات المسلحة، وكذلك حماية المهاجرين. وإذا كانت هذه السياسة قد كانت لها عوائد إيجابية على قضية وحدتنا الترابية، فأنا أعتقد أنّ عودة المغرب إلى الساحة الأفريقية هو اختيار استراتيجي يتجاوز قضية الصحراء المغربية إلى جعل أفريقيا تلحق بقطار التنمية المستدامة وتتموقع على مستوى الندية وتقطع مع التبعية للقوى الكبرى، وتبني قوتها انطلاقا من تلاحم دولها. إنها استراتيجية للانبعاث الأفريقي.
إطلاق سراح معتقلي
الاحتجاجات لاعتبارات إنسانية
○ تطالب هيئات حقوقية وأحزاب سياسية بانفراج حقوقي في المغرب، من خلال طي صفحة الاعتقالات التي طالت نشطاء اجتماعيين وحقوقيين، ما مدى وجاهة هذا المطلب؟
• يمكن أن نختلف في المصطلحات المستعملة في وصف الواقع الحقوقي بالمغرب، لكن لا يمكن أن نختلف في أهمية إطلاق سراح مجموعة من المعتقلين على خلفيات احتجاجات اجتماعية، أو بعض الملفات التي يثيرها حقوقيون والمتعلقة ببعض المدونين والصحافيين، من الجانب الإنساني أولا، ومن جانب سحب ورقة يستغلها بعض من يسعون لتشويه صورة المملكة من أجل الإضرار بمصالحها، وهذا يتطلب توفير جو سليم بعيدا عن المزايدات، وبعيدا عن الهجوم على مؤسسات الدولة وفي مقدمتها القضاء الذي نعتبر أنه قطع أشواطا في استقلاليته. إن الأمر يتطلب فقط بعض الهدوء وكثيرا من النية الحسنة والوساطات النبيلة، وعلى العموم فالحالات التي يثيرها الحقوقيون حتى الذين يهاجمون المغرب هي حالات معدودة، وفي أغلبها تقع تحت طائلة مخالفات للقانون، ولكن مع ذلك أنا مع حلحلة هذه الملفات لاعتبارات إنسانية.
○ وكيف تقيمين دور المجتمع المدني في مجال الوساطة وتقييم السياسات العمومية والترافع من أجل تحقيق مطالب المواطنين الاجتماعية والمادية وغيرها؟
• قبل أن أكون عضوا في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وقبل أن أصبح برلمانية في الولاية السابقة، فأنا بنت المجتمع المدني سواء في جمعيات الطفولة واليافعين، أو في الجمعيات الشبابية، وحاليا أنا رئيسة جمعية الأعمال الاجتماعية للصحافيين، ونائبة رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وأشتغل مع النسيج المجتمعي في مجالات العمل الاجتماعي والحقوقي. ومن هنا، يمكن أن أقول إن الأدوار التي يقوم بها المجتمع المدني لا يمكن أن ينكرها إلا جاحد، ولطالما كان هذا المجتمع حاضرا في مجالات يغيب فيها التدخل الحكومي، ما يلزم هو تجويد القوانين التي تنظم هذا الميدان لتسمح له بمرونة أكبر في التدخل وفي العمل، ولدعمه أكثر حتى يتمكن من إنجاز مشاريعه، فما زال الجانب المالي وغياب المقرات واللوجستيك يعوق كثيرا من مشاريع الجمعيات الفاعلة.