شعوب المطبعين سهلوا على حكوماتهم الهروب بالجريمة… وعبد الناصر والسادات بين الإدانة وصكوك البراءة كلمات مفتاحية
القاهرة ـ «القدس العربي»: على مدار يومي السبت والأحد 2 و3 أكتوبر/تشرين الأول قفزت “الأرض المباركة” فلسطين وما حولها من جديد لذاكرة عدد من كتاب الصحف المصرية.. كما استدعى كتاب الزعيمين ناصر والسادات.. البعض هاجمهما بشدة والبعض الآخر منحهما صكوك البراءة من كثير من التهم التي لاحقتهما رغم موتهما.. ومن أخبار الدعاة: قامت وزارة الأوقاف ببث تسجيل صوتي عن موضوع خطبة الجمعة المقبلة 8 أكتوبر بعنوان «فضل الشهادة ومنزلة الشهيد، وفلسفة الحرب في الإسلام»، ويعد هذا التسجيل الخطبة الصوتية السابعة، سبقتها 6 خطب صوتية بثتها الوزارة على قناتها في موقع يوتيوب.
ومن اخبار القلعة البيضاء: وجه المستشار مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك «الموقوف» رسالة شكر وتقدير للرئيس عبدالفتاح السيسي بعد التحرك السريع لإنقاذ نادي الزمالك، بقرار بطلان عقد الجمعية العمومية وغلق باب الترشح، بعد التأكد من مخالفة اللجنة الحالية برئاسة حسين لبيب للوائح والقوانين. ومن نشاط البرلمان: أسفرت انتخابات هيئة مكتب لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب بدور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الثاني عن فوز النائب طارق رضوان بمقعد رئيس اللجنة، وفوز النائبين أيمن أبو العلا ومحمد عبد العزيز بمقعدي الوكيلين والنائب محمد تيسير مطر بمقعد أمين السر.. من جانبه أعلن النائب الحسيني جلال، عن تقدمه بطلب إحاطة إلى المستشار الدكتور حنفي الجبالي، بشأن أزمة تعيين أوائل الخريجين وحملة الماجستير والدكتوراه. ومن أبرز الحوادث العائلية: تعرضت أستاذة جامعية في محافظة الدقهلية، لأبشع ما يمكن أن تتعرض له أنثى، وكان ذلك على يد شقيقها، الذي استدرجها بحجة عمل تنازل لها في الشهر العقاري لكي تحصل على ميراثها، إلا أنها فوجئت به يتوقف على الطريق، ودخل بالسيارة في أرض فضاء، وربط يديها، وبدأ في تحريض صديقه للتعدي عليها، لكي يصورها في وضع مخل، ويهددها بما صوره، كما بدأ في نزع ملابسها عنها، حتى وصلت أصوات استغاثتها إلى المارة، الذين توقفوا وأنقذوها، وأبلغوا شرطة النجدة التي حضرت على الفور، وألقت القبض على أحد المتهمين، قبل أن تتمكن مباحث قسم شرطة أول المنصورة من القبض على المتهم الثاني. ومن اخبار الفنانين: قررت نقابة المهن الموسيقية منع التعامل مع المؤدي مروان بابلو، باعتباره أحد مؤدي الراب، مضيفة أنه تم إخطار كل الجهات والهيئات والمتعهدين بهذا القرار. وأوضحت النقابة أن بابلو تناول في إحدى حفلاته ابتهالا دينيا ثابتا ويحمل معاني روحانية وقيما سامية لدى المصريين، واستهان بهذا الدعاء، وأفرغه من محتواه الدعائي والأخلاقي، وجعله وكأنه عن ذات المؤدي، فضلا عن تناول الفيديو ألفاظا خرجت عن كل الأخلاق والتقاليد الحميدة.
حاكموا الجاني
مؤخرا توعد الرئيس السيسي، إنه سيتم وقف كل أنواع الدعم المقدم من الحكومة، لكل من يعتدى على أراضى ومنشآت الدولة. الرئيس الذي تابعه عماد الدين حسين في “الشروق” قال إنه ليس معقولا أن تخصص الدولة أكثر من 700 مليار جنيه لتنمية الريف المصري في 3 سنوات، إضافة إلى «مشروعات وإجراءات فوق الخيال»، مثل تبطين الترع وغيرها، ثم يأتي البعض ليعتدي على حقوق الدولة. وقال الرئيس: «هذا كلام غير مقبول، ولا بد من إزالة التعديات خلال 6 أشهر، وأن تعود جميع الجسور زي الكتاب ما بيقول، وإن تطلب الأمر نزول الجيش، وكل الجسور ترجع تاني زي ما كانت، وكل بيانات الناس تكون موجودة معانا، سواء تعدى على أراضٍ زراعية أو جسور». لا أحد يختلف مع ما قاله الرئيس السيسي، فلا يمكن لعاقل أن يعارض أن تستعيد الدولة حقوقها، من المعتدين والمخالفين، لأن ذلك سوف يصب في مصلحة الجميع، خصوصا الفقراء والمحتاجين. السؤال الذي أظنه مهما، وخطر على بالي وربما على بال آخرين، بعد سماع تصريحات الرئيس هو: أين كانت الوزارات والهيئات والأجهزة المختصة قبل أن يطلب الرئيس وقف التعديات وإزالتها خلال فترة لا تتجاوز ستة شهور؟ الغريب والمثير للدهشة أن لدينا عشرات اللجان والهيئات والمؤسسات التي يفترض أن يكون جوهر عملها هو وقف الاعتداءات على أراضي ومنشآت الدولة، وبعضها كان يصدر تقارير دورية عن حجم الإنجازات التي تمكن من تحقيقها. هذه اللجان يعمل بعضها منذ سنوات.
قوانين ميتة
لدينا قانون أثار جدلا كبيرا في العام الماضي، وتذكره عماد الدين حسين يتعلق بوقف التعديات في مجال البناء، سواء في الإسكان أو البناء على الأرض الزراعية، ولدينا أيضا عشرات، وربما مئات القوانين التي تحارب كل هذه الظواهر منذ عشرات السنين. ولذلك نكرر السؤال: لماذا فشلت كل هذه اللجان والهيئات والقوانين في ردع المخالفين، وإعادة حقوق الدولة، والأهم عدم تنامي الظاهرة الخطيرة؟ لماذا لا ينجز كل مسؤول أو لجنة أو مؤسسة عمله بما يرضى الله وطبقا للقانون، وهل معنى ذلك أن كل ما سمعناه في السنوات الماضية عن الإنجازات في هذا المجال، لم تكن صحيحة، أو كانت ناقصة وغير مكتملة، أو لمجرد الشو الإعلامي، أو ربما واجهت صعوبات شديدة في أداء عملها؟ شخصيا كنت أعتقد أن حملة الأجهزة المحلية قبل حوالي عام تمكنت من إزالة كل المخالفات على الجسور والترع وطرح النهر، لكن كلام الرئيس يوم الاثنين الماضي، يكشف أن الظاهرة ما تزال مستمرة. طالب الكاتب بتسجيل قاعدة بيانات واضحة عن حجم هذه التعديات والمخالفات ومن هم أصحابها، وبيانات واضحة عن الإزالات اليومية، ويا ليت يكون لدينا كشف بأسماء المعتدين والمخالفين، خصوصا الكبار منهم. وأعرب الكاتب عن أمله أن يكون تطبيق القانون على الجميع خصوصا الحيتان الكبيرة، وأغلب الظن أن اسم الفاسد الكبير، الذي اعتدى على حقوق الدولة، لن يكون موجودا في كشوف من يتلقون دعم الخبز أو السلع التموينية، أو أيا من أنواع الدعم، وبالتالي فإن حرمانه من الدعم قد لا يكون عقابا مؤثرا، يمكن أن يردعه عن الاستمرار في تعدياته ومخالفاته. من يثبت قانونا أنه يعتدى على حقوق الدولة ومبانيها ومنشآتها وأراضيها يستحق أشد أنواع العقاب.
زيف القوة
لماذا تسعى إسرائيل لتحديث منظومة القبة الحديدية؟ أجابت سحر عبدالرحيم في “المشهد”: بدأت إسرائيل في استخدام منظومة القبة الحديدية في مارس،آذار 2011، وهي جزء من نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي عبارة عن درع صاروخية مكونة من بطاريات منتشرة في العديد من المدن الإسرائيلية، ومزودة برادار كشف وتتبع للصواريخ متوسطة المدى.. وخلال الحرب الأخيرة على غزة، انكشف الغطاء عن هذه المنظومة واتضح مدى ترهلها وحاجتها للتحديث، فقد أطلقت هذه القبة صاروخا اعتراضيا عن طريق الخطأ تجاه مقاتلة إسرائيلية من طراز إف- 15 دخلت مجال الاعتراض، ما أدى إلى إصابتها بشظايا، وكان مقررا أن يصوب تجاه أحد الصواريخ التي تم إطلاقها من قطاع غزة، لكنه غير اتجاهه نحو الهدف الأصلي واتجه نحو الطائرة الإسرائيلية، وفي 25 مايو/أيار ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن المنظومة الدفاعية أسقطت بالخطأ طائرة مسيّرة تابعة للجيش، خلال عملية حارس الأسوار على غزة، وتم فتح تحقيق في الحادث لمعرفة أين الخلل. رغم نجاح القبة في التصدي لحوالى 90% من الصواريخ التي أُطلقت من غزة، والتي بلغت 4 آلاف صاروخ، إلا أن ذلك يعد فشلا كبيرا لنظرية الأمن الإسرائيلي، لأنه ببساطة يعني أن 400 صاروخ نجح في اختراق القبة ووصل إلى العمق الإسرائيلي، وتل أبيب، وهو حدث جلل بالنسبة لإسرائيل يضع المنظومة كلها على المحك. ومثلما كبدت حرب غزة الأخيرة الكيان الصهيوني خسائر معنوية وبشرية ومادية فادحة، وزعزعت من هيبته المزعومة، فقد فعلها أيضا أسرى سجن جلبوع، الذين حفروا نفقا تحت الأرض بأدوات بدائية بلغ طوله عشرات الأمتار وصولا إلى الحرية في 6 سبتمبر/أيلول حيث تكبدت إسرائيل في عملية البحث نحو 31 مليون دولار في أقل من أسبوعين بخلاف، الإهانة المعنوية للكيان الصهيوني، التي لا تعوضها ملايين الدولارات.
بلا سلاح
أكدت سحر عبد الرحيم، أنه رغم القبض على الأسرى الستة إلا أن عملية الهروب نجحت في توجيه أنظار العالم من جديد نحو فلسطين، واستطاعت إيصال صوت الأسرى الفلسطينيين للعالم، بأنهم أصحاب حق وقضية ويستحقون الدعم والمساندة وصولا لتحرير أراضيهم وإقامة دولة مستقلة ذات كيان. أما القوة الذكية التي تسيطر عليها إسرائيل وتتفوق فيها على الفلسطينيين، رغم سعيهم الدؤوب لتوثيق جرائم الاحتلال بالصورة المباشرة في فضاءات وساحات متعددة، وعبر وسائل الإعلام المختلفة، فتتمثل في ما كشف عنه بحث علمي صادر عن جامعة نيويورك بعنوان: “تأجيج النار: كيف تكثف وسائل التواصل الاجتماعي الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة؟ حول شن إسرائيل حملة ممنهجة تقوم بها وحدات إلكترونية محترفة ضد المحتوى الفلسطيني، من خلال استحداث خوارزميات إلكترونية ترصد هذا المحتوى، وتبلغ عنه باعتباره محتوى عنيفا ويجب إزالته، وهو ما لاحظناه جميعا خلال الاعتداء الإسرائيلي الأخير من خلال منشورات تحت وسوم #أنقذوا_حي_الشيخ_جراح، #غزة_تحت_القصف، والتى كان يتم حظر العديد منها بحجة مخالفتها لمعايير النشر، بالتزامن مع التفوق الذي أحرزته إسرائيل عبر صفحاتها الموجهة باللغة العربية، والتي حققت انتشارا واسعا وكانت النواة الحقيقية للتغلغل الإسرائيلي في أوساط الشعوب العربية، الذي مهد لتطبيع عدد من الدول العربيةن دون اعتراض من مواطني هذه الدول. لو فكرنا قليلا لوجدنا أن قوة إسرائيل الإعلامية والدعائية القائمة على الخداع والكذب وتزييف الحقائق، تفوق بكثير قوتها العسكرية وقبضتها الأمنية، وبدونها تتغير معادلة توازن القوى بينها وبين الفلسطينيين، الذين لو أتيحت لهم الإمكانيات الإعلامية والدعائية لتمكنوا من إحراز بعض مقومات النصر التي تمكنهم من استكمال مسيرة الحرية.
«همت يا بنتي»
كثيرة هي الأكاذيب المنسوبة لرئيس مصر الأسبق أنور السادات، الذي تذكره أسامة غريب في “المصري اليوم”، والذي سعى لنفي ما نسج حوله من بهتان وكذب: إنه كان يخاطب مذيعة التلفزيون همت مصطفى قائلا: «يا همت يا بنتي». ومعروف أنها كانت المذيعة الأثيرة لدى السادات، وكان يخصها بأحاديث تلفزيونية في المناسبات المختلفة، مثل عيد الثورة وعيد نصر أكتوبر/تشرين الأول وكذلك عيد ميلاده. وكان معروفا عن السادات تقمص دور الأب وهو يتحدث إلى الناس، فيقول «ابني» و«بنتي» باستمرار. ورغم اشتهار مقولة «يا همت يا بنتي»، فبوسعى أن أؤكد أنها لم تحدث على الإطلاق.. فقد كان السادات يخاطبها في الحقيقة قائلا: «يا همت». يا همت فقط، دون أن يضيف: يا بنتي، وكل أحاديثه التلفزيونية مع همت مصطفى سواء أثناء رئاستها للتلفزيون أو قبل ذلك مسجلة ومتاحة على يوتيوب لمن أراد أن يتأكد.. لكن المقولة مع هذا شاعت، وساهم في نشرها المعارضون للسادات الذين سخروا منه في القصائد والأغاني والتسجيلات الصوتية التي تقلد صوته، وتتقمص طريقته الفريدة في الحديث. ومن الطبيعي أن همت مصطفى المولودة في عام 1927 كانت تصغر السادات بتسع سنوات فقط، ولم تكن في سن أبنائه، وربما لو كانت أصغر، لخاطبها السادات بلفظ بنتي.. لكن هذا لم يحدث.
محض أكاذيب
مقولة أخرى فند بطلانها أسامة غريب، عن بطل الحرب والسلام، كما كان يحب أن يطلق عليه، شاعت وساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في وصولها للجيل الحالي، مؤداها أن السادات قال: إن الشخص الذي لن يغتني في عهدى لن يجد فرصة أخرى لتحقيق الثراء. هذه المقولة أيضا كاذبة، وليس من المتصور أن يقوم رئيس دولة مهما بلغ جنوحه بترديد قول كهذا. صحيح أن فترة حكم السادات وسياساته فتحت الملعب على مصراعيه للهباشين والنصابين والمغامرين ومستوردي الدواجن الفاسدة، لكن رغم ذلك ومهما كانت نوايا الرجل، فإنه لم يقل أبدا مثل هذا الكلام العجيب. اليسار المصري الذي عاداه السادات بشدة واضطهده بشراسة كان صاحب الفضل في انتشار المقولات غير الحقيقية، التي كانت تجد آذانا تصدقها بسهولة بسبب اتساقها مع طبيعة السادات واتجاهاته. وأعتقد أن السادات تعرض إلى التشهير على نحو شديد، ونالته مدافع اليسار، رغم أن سياسات مبارك بعده كانت أشد قسوة على الفقراء. صحيح أن السادات كان مغريا لخصومه، وأتاحت مصطلحاته الفرصة للخصوم لإطلاق الألسنة، لكنهم لم يكتفوا بالنقد المستحَق، وإنما أضافوا إليه النقد المبني على أكاذيب.
سيبقى ذكره
انتهى فاروق جويدة في “الأهرام” إلى أنه لا يوجد زعيم عربي احتفظ بمكانته في قلوب الناس مثل الرئيس جمال عبدالناصر.. لقد تحدى الزمن وبقي حيا في ضمير الشعوب العربية. اختلف الناس عليه، رآه البعض إنجازات ومواقف، بينما رآه البعض الآخر هزائم وانكسارات. ورغم الخلافات بقي عبدالناصر حاضرا. كنت أرى أن الخلاف حول عبدالناصر ظاهرة إيجابية، لأن تاريخ الرجل فيه إيجابيات لا ينكرها أحد، وفيه سلبيات لن تسقط بالتقادم، من ينسى السد العالي ومجانية التعليم والإصلاح الزراعي ومعارك الاستقلال، هذه أحداث لا تنسى، وفي المقابل كانت هزيمة 67 وحرب اليمن وقوانين التأميم والمصادرات وغياب الحريات.. كنت أرى أن جمال عبد الناصر هو الزعيم العربي الوحيد الذي كان قادرا على تقديم تجربة ديمقراطية حقيقية للشعب المصري، من خلال شعبيته الجارفة.. كان قادرا في أي لحظة أن يجمع حوله ملايين البشر حبا واقتناعا وتأييدا. سوف يبقى الخلاف حول تجربة حكم عبدالناصر ما بين أحلامه الشخصية وأحلام شعب يبحث عن الاستقرار والرخاء والحرية.. لقد أخطأ في بعض الحسابات وأصاب في البعض الآخر ومثل هذه الشخصيات والرموز يبقى الحكم عليها للتاريخ. وعبد الناصر رغم رحيله من سنوات فما زال الخلاف عليه بين المؤيدين والرافضين.. هناك صفحات كثيرة من تاريخنا ما زلنا منقسمين عليها، وهناك من يبالغ في خصومته وعدائه ومن يبرر الأخطاء ويدافع عنها، وما زلنا ننتظر عدالة السماء تعطي لكل صاحب حق حقه. عبدالناصر الآن في رحاب التاريخ وسوف يحاسب بما كان له أو عليه.. إنه شخصية فريدة، فما زال حاضرا رغم رحيله.. إنه الغائب الحاضر الذي تحدى الزمن والموت والتاريخ.
البشر ألوان
لقد تحدّث نجيب محفوظ بلسان حاله في رواية «أمام العرش» وهو يصف شخصية جمال عبدالناصر قائلا: «قليلون من قدّموا لبلادهم مثل ما قدّمت من خدمات وقليلون من أنزلوا بها مثل ما أنزلت من إساءات». كان عبدالناصر من وجهة نظر الدكتور محمود خليل في “الوطن” من أصحاب المزاج الحاد، وسيرته في حكم الدولة المصرية أكبر شاهد على ذلك، أعطى للطبقة الفقيرة في مصر ما لم يعطه زعيم من قبل أو من بعد، لكنه سحق المجتهدين من أصحاب المشروعات الناجحة عندما أمّم ما أقاموه بجهدهم وعرقهم. احتضن القومية العربية بذراعيه، واندفع في حرب غير محسوبة في اليمن، وسقط في فخ حرب يونيو/حزيران 67 لمجرد خبر غير صحيح عن وجود حشود إسرائيلية على الحدود مع سوريا، ولم يهتم بأثر هذا الاحتضان على الأمة المصرية، التي فقدت في هذه الحروب زهرة شبابها وتآكلت قدرتها الاقتصادية، وبدأت مرافقها في الترنح. اتخذ موقفا معاديا لا يتضعضع من إسرائيل، كل الشعب كان يتبناه ولم يزل، لكن إسرائيل تمكنت في عصره من احتلال مساحات شاسعة من الأرض العربية تفوق ما احتلته في حرب 1948. كانت نكسة 67 محطة فاصلة في حياة عبدالناصر – رحمه الله- إذ بدأت شخصيته في التنازل عن كثير من حدتها، وشرع يبني القوات المسلحة بدأب وجهد وعصرية وموضوعية، لكن المشكلة أن أصحاب المزاج الحاد يتوقفون في نظرتهم عند ما حدث في 67 ويضربون صفحا عن جهد عبدالناصر في حرب الاستنزاف وإزالة آثار العدوان وإعداد البلاد لمعركة التحرير. وانتهى الكاتب إلى أن “البشر ألوان”.
من ينسى؟
لا تغيب ذكرى العبور عن ذاكرة ياسر رزق كما قال في “أخبار اليوم”:
48 عاما مضت على نصر أكتوبر/تشرين الأول المجيد، صار الطفل كهلا، لا يكاد تبين في رأسه شعيرات سوداء، وسط غزو الشعر الأبيض، أحيانا تغيب عنه «تفاصيل» أحداث مضت عليها ساعات، لكن ثمة وقائع مضت عليها عقود، ارتسمت في ذاكرته وحفرت بأدق تفاصيلها، بكل مشاهدها، وألوانها، بشذاها العطر، ومذاقها الذي يشبه القرفة الساخنة، التي تثير الانتباه في الحواس. على رأسها أيام الاستنزاف وأكتوبر، والتحرير، وثورة 30 يونيو،حزيران. وسط مشاغل الحياة، يختلس الكهل أوقاتا يحادث فيها صغاره الذين صاروا في سن الرجال. يتقمص روح والده الراحل حين كان يحادثه. يروي لهم عن جيل فضل غموس الكرامة على لقمة العيش، وقف في طوابير الخبز والأرز وغيرهما من سلع لم تكن متوافرة إلا بالبطاقة التموينية، في عصر لم يعرف «الهايبر ماركت» أو «السوبر ماركت» لم يكن ذلك الجيل يجد اسطوانات بوتاجاز، ولا غازا لإنارة «الكولوبات» عند انقطاع التيار الكهربائي، وكان يحصل على «الجاز» بكوبونات تموين. يروى لهم قصصا قلما يتداولها الإعلام، عن شهداء يطلون علينا من عليين، كالفريق أول عبد المنعم رياض سيد شهداء الجيش، والعميد إبراهيم الرفاعي أكثر الرجال حملا لأرفع أوسمة البطولة العسكرية الاستثنائية والخارقة، والعميد أحمد حمدي الذي فارق الحياة عند رأس كوبري عبور الجيش الثالث، والمقدم محمد زرد الذي حمل أحشاءه بيده وقاتل بيد حتى أسر 20 من جنود العدو قبل أن ينال الشهادة، والرائد طيار عاطف السادات شقيق الرئيس الراحل، الذي أبى أن يهبط بطائرته المصابة داخل خطوط العدو، حتى لا يتم أسره وهو شقيق رئيس الجمهورية، والرائد طيار صبحي الشيخ الذي اندفع بطائرته بعد أن أصيبت، نحو دشم طائرات العدو في مطار رأس نصراني ودمر 5 طائرات.. وغيرهم آلاف. يروى لهم بطولة العقيد عادل يسري، الذي أطارت دانة دبابة معادية ساقه، فكتم دماءه بالرمال، وحمل ساقه بيديه يهتف لمصر، ودفنها في الرمال، ثم واصل القتال المظفر بساق واحدة.
لو لم نحارب
استبق عبد الفتاح علي ذكرى نصر حرب أكتوبر/تشرين الأول في”الوطن” بالبحث عن إجابة للسؤال الأهم: هناك سؤال يثور في داخلي يقول لو لم تقم الحرب، ولو لم ننتصر، كيف كان سيكون حالنا وإحساسنا ووضعنا وشرفنا وكرامتنا؟ سبقني الصديق محمد علي خير في طرح هذا السؤال على اللواء سمير فرج الخبير الاستراتيجي، فكانت الإجابة وافية وشافية.. كان الخجل والانكسار والشعور بالعار، والإحساس بالمذلة سيظل جاثما على نفوس المصريين، منعكسا على طأطأة الرؤوس وكسرة النفس. كانت ستظل سيناء جزءا من الأراضي العربية المحتلة كالجولان والضفة الغربية، وسيظل أهلنا في سيناء رازحين تحت حكم الاحتلال، وسينهب المحتل الخير والثروة وسيمعن في ترسيخ الأمر الواقع، وسيعمل على إضعاف مصر بكل ما لديه من قوة. كانت القناة ستظل مغلقة حتى الآن، وستكون خسائر مصر الكبيرة من إغلاقها لا تقارن أبدا بالخسائر العالمية، ووقتها كان العدو سيتعاون مع العالم لشق قناة عسقلان، ولن يكتفي بخط أنابيب أو سكة حديد لربط خليج العقبة بالبحر المتوسط. كان إيراد القناة الداعم للموازنة العامة، والمصدر الثاني للعملة الأجنبية سيتوقف، ما يعني خدمات أقل ستقدم للمواطن، وارتفاعا كبيرا في الأسعار وسيكون العبء على المواطن البسيط كارثيا. كان أبناء مدن القناة سيظلون مهجرين جيلا بعد جيل، وستنتزع الأجيال من جذورها وموروثها الثقافي، وستسكن في قلوبهم الغربة داخل أوطانهم. الأهم من كل هذا أن اقتصاد البلاد كان سيظل اقتصاد حرب، موجها للمحافظة على الوضع الحالي قدر الإمكان، ولتمكين الجنود من الصمود على الضفة الغربية، وسيمتد الخوف جراء الانكسار لتخيل سقوط الضفة الغربية هي الأخرى في يد إسرائيل.شكرا لكل من ساهم في هذا النصر العظيم، شكرا لكل روح استشهدت في سبيل عودة الحق، شكرا لكل مصاب دفع الألم حبا في تراب وطنه، شكرا لكل من عاد منتصرا رافعا رأسه عاليا، ومعه رؤوسنا ورؤوس أبنائنا وأحفادنا وأحفاد أحفادنا.
تحذير في موعده
التحذير الحكومي للموظفين الرافضين تلقي لقاح كورونا ليس مجرد دخان في الهواء.. فالحكومة كما أشار محمد أمين في “المصري اليوم” تعني ما تقول تماما.. إذ قررت منع الرافضين تلقي اللقاح من دخول مقر العمل، وهي جادة حين تطالب هؤلاء بتحليل «بي سي آر».. مرتين في الأسبوع على نفقتهم الخاصة.. وهي رسالة بأن الحكومة سوف تدخل العاصمة الجديدة بموظفين جدد، من حيث التدريب والحالة الصحية، والنفسية، لتحقيق جودة العمل.. ومعناه أنه لا أحد سيدخل لمقر العمل، دون شهادة بالتطعيم، وفي وقت محدد لن يدخل مقر العمل، حين تكون الدولة قدمت التطعيمات للجميع. المؤكد أنه لا مدارس ولا جامعات دون تطعيم.. ولا عمل بدون تطعيم أو شهادة طبية على نفقة صاحبها، ولا سياحة دون تطعيم.. والذين يعترضون على التطعيم واضح أنهم نسبة كبيرة، لدرجة أن متحدث الحكومة قرر أن يوجه رسالة لهم قبل غلق باب التطعيم.. ولا أدري لماذا يعترض هؤلاء؟ هل يعترضون على نوع التطعيم، أم يعترضون على التطعيم أصلا؟ تحذير الحكومة على ما يبدو جاء في موعده.. حين أحضرت الحكومة التطعيم اللازم بجرعتيه، فبدأت الحكومة اتخاذ إجراءات صارمة قبلها، كان لا يمكن أن تتحدث في الموضوع.. ويبدو أنها قررت أن تحقق مناعة القطيع، حتى تنسى موضوع كورونا ويتحول إلى إنفلونزا موسمية.. لا تعوق العمل ولا تؤثر في كفاءته.. وهو إجراء نحترمه ونؤيده، حتى نكون في مصاف الدول المتحضرة، التي ترعى صحة أبنائها، وتحافظ عليهم. المهم أن الحكومة قررت اعتبار فترة غياب العامل عن العمل، فترة انقطاع لا يتقاضى فيها مرتبه، وقال المستشار نادر سعد بالحرف الواحد «مش هيقعد في بيته ويتلقى مرتبه».. وبهذه الرسالة الموجزة كان الأمر واضحا تماما، فلا ذهاب للعمل دون تطعيم أو تحاليل أسبوعية على نفقته الخاصة، ولا مرتب لمن يقعد في بيته.. وعليك أن تختار ما تريد، انتهى زمن البلطجة.. تقدر تقعد في بيتك على حسابك.
صناعة مصرية
من بين السعداء باللقاح المصري أحمد التايب في “اليوم السابع”: وسط حرب اللقاحات المشتعلة في العالم لمواجهة وباء كورونا، قول واحد، ما تفعله الدولة المصرية سواء بحرصها على تطعيم مواطنيها بشتى الطرق، أو باستعدادها لإنتاج لقاح مصري، نموذج فخر يؤكد حرصها على حماية مواطنيها من هذا الوباء، ويؤكد أيضا قدرة المنظومة الصحية على مواكبة آخر التطورات العالمية بشأن فيروس كورونا. وما يستحق التقدير، أن الحكومة تتعامل مع هذه الجائحة وملف اللقاحات بمنطق الضرورة القومية في ظل التحديات العالمية، واحتكار شركات الأدوية، حيث كان القرار بالعمل على تصنيع لقاح مصري بالتعاون مع الشركات العالمية، وتوفير المتطلبات اللازمة كافة، وشحذ الهمم لتحقيق الهدف، وبالفعل تم قطع شوط كبير في هذا الأمر ما يبشر بتحقيق الاكتفاء الذاتي في المستقبل القريب. قدرة الحكومة على إنتاج لقاح مصري يمكنها وبسهولة التصدير إلى الأشقاء في الدول الافريقية بمجرد تحقيق الاكتفاء الذاتي، الأمر الذي سيجعلها قطعا في مصاف الدول المُصدّرة للقاحات، في ظل محدودية الإنتاج العالمي، وصعوبة توفير اللقاحات في كثير من الدول، بل إن الأمر المهم، أن تصنيع لقاح مصري يعمل قطعا على كسر سياسات الاحتكار من قبل شركات الأدوية، خاصة أن مصر تمتلك تكنولوجيا تصنيع متطورة في مجال اللقاحات، الأمر الذي سيؤدي إلى جني مصر ثمار عديدة محليا وعالميا. غير أن الأهم أيضا، ونحن نتحدث عن أهمية اللقاحات وقدرة مصر على المواكبة، تبذل الدولة جهودا كبيرة في تطوير المنظومة الصحية ببناء وتطوير المستشفيات، وكذلك تعمل على دعم البحث العلمي بشتى الطرق والوسائل، لذا علينا أن نعلم تماما أن هذا نجاح كبير نفتخر به.
لا تنسوه
دعا حمدي رزق في “الوفد” لدعم الشعب الشقيق: الدعاء مستوجب للسودان أن يتجاوز محنته السياسية وصولا إلى صيغة توافقية توفر الأمن والأمان والخبز لملايين الطيبين، الذين ضاقت بهم السبل بين مكونين (مدني وعسكري) متمترسين في مواقفهما دون انصياع للإرادة الشعبية التي تبيت على جمر النار، رغبة في الاستقرار. كل محبٍ للسودان يتمنى انقشاع السحب المظلمة عن سماء الخرطوم «العاصمة المثلثة»، في الظلمة السياسية، تتفاعل العناصر الفاسدة وتبخ سموما في الأرض السمراء، والكيزان الإخوان في الدغل الكثيف متربصون، ينتظرون فرصة سانحة للانقضاض، الكيزان خطر محدق.. ولا يزال. تفاكر الفرقاء مطلوب، وبشفافية، وببعض التواضع السياسي، والتواضع من سمات الشخصية السودانية، وحكمة الشيوخ مستوجبة لتطويع النهر الشبابي المتدفق إلى الشوارع لصالح القضية الوطنية.. السودان لا يحتمل حروبا أهلية جديدة، كفاية عليه الحروب الجهوية، الشرق في حالة تمرد بالنموذج نفسه في الغرب جريا على النموذج في الجنوب، والعاصمة حبلى بكل عناصر الاشتعال الذاتي. الرهان على حكمة «المكون العسكري»، وأريحية «المكون المدني»، يوفر فرصة للعبور الصعب من مرحلة هي الأخطر على وحدة السودان..السودان الحبيب لا يملك وقتا للاحتراب الداخلي، وحدوده الشرقية مهددة، ومياهه فيها طمع إثيوبي سافر، ومحنته الاقتصادية متفاقمة، والضغوط الدولية قاسية، لا حل سوى تواضع الفرقاء جميعا، والتوافق على كلمة سواء..مصلحة السودان والعلم والنشيد، فوق كل الجهويات والإثنيات والعرقيات والمكونات..
من نملية لثلاجة
يأخذنا خالد حسن بسخرية تكشف عن موهبته في “الوفد” نحو التطور الطبيعي في حياة المصريين: في عام 1927 صنعت أول ثلاجة في العالم على يد “جنرال إليكتريك”، وفي الخمسينيات كانت الثلاجات حكرا على الأسر الغنية والطبقات المتوسطة وفخر ربات البيوت.. أما في السبعينيات، فلاقت الثلاجات رواجا وشعبية كبيرة بين الناس، وأصبحت في مصر تنافس “النملية” وهي عبارة عن دولاب يحفظ فيه الطعام بعيدا عن النمل والحشرات ولذلك سميت “نملية “.. وقتها كان الطعام لا يفسد بسرعة مثلما يحدث الآن. ومع نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات بدأت الأسر تستغني عن تلك النملية وأصبحت الثلاجة في معظم البيوت، وتحولت إلي أمر واقع، حتى أن جهاز العروس أصبح لا يخلو من وجود الثلاجة. والآن أصبحت من أهم ضروريات أي بيت غني أم فقير، ولا يمكن تحمل عطلها يوما واحدا. هذا ما حدث مع ” التوك توك”، الذي تحول من رفاهية إلى ضرورة.. هذا الكائن الغريب الذي بدأ يغزو بلادنا مع الألفية الثانية.. مخلوق نشأ في الهند بلاد تركب الأفيال، وسهل عليها ركوب صندوق صغير بعجلات ثلاث.. وفي مصر نقلنا تلك المعجزة وتحولنا من مصدري حضارات إلى ناقلي التشوهات.. وانتقل إلينا هذا الصندوق بشكله الحالي ليفسد كل شيء ولكنه مع الوقت تحول إلى أمر واقع تماما مثل الثلاجة من الضروريات.
صغير لكنه جبار
يتذكر خالد حسن أول وجود للتوك توك ،وهو طفل حيث كان يحمل ثلاجة الآيس كريم ويتهافت حوله الأطفال والكبار، ومع الوقت تحول وبدلا من أن يحمل الآيس كريم يحمل الكوارث والخطف والسرقات والحوادث. وللأسف أصبح الآن المواطن المصري لا يستطيع التنقل من أمام منزله إلى أول الشارع لركوب الأتوبيس ومترو الأنفاق أو الميكروباص، دون أخذ هذا الصندوق الصغير المتحرك وسيلة انتقال، وبذلك أفسد هذا الصندوق المتحرك الأجساد التي ركنت إلى الراحة والأمراض والضعف والسمنة، ومع الاهتمام به وتدليله، تحول هذا التوك الصغير إلى عفريت متمرد، يكسر ويدمر كل شيء، احتجاجا على عدم تعظيمه ليثبت للجميع أنه صغير ولكنه جبار. من المستحيل إلغاؤه أو مصادرته، ولكن ليس من المستحيل تهذيبه.. ويبدأ التهذيب لمنع التعذيب بأهم خطوة وهو الاعتراف به في المرور، وتحويله من مخلوق عشوائي يطيح في البشر، دون محاسب حيث لا يحمل أرقاما أو ترخيص عمل، إلى آلة تنقل معترف بها ومرخصة تحمل أرقاما وتعاقب بالمخالفات المرورية في حالة الخطأ ومخالفة قواعد وقوانين المرور وتسري عليه قواعد السيارات الأجرة والملاكي.. ومن تلك اللحظة لن تجد تلك الفوضى المرورية المنتشرة في الشوارع، بسبب عشوائية هذا التوك توك الصغير.. كان في البداية مجرد “ريكاشة ” ياباني عربة يجرها سائقها، وتطور فأصبح آلة مزودة بترس كالدراجة. ثم تطور أكثر وأصبح بمحرك أطلق عليه كلمة “توك توك” وتحول إلى أهم معالم العشوائية في مصر.. عليك الاستمتاع بالحياة والتحمل حتى لو أتاك التوك.