قصة الهاتف من غراهام بيل إلى ستيف جوبز
لو سألت قبل عقدين عشرة أشخاص عن أعظم اختراع عرفته البشرية لتلقيت في الغالب ردا واحدا: “العجلة”. اسأل اليوم عشرة أشخاص عن أعظم اختراع، وسيكون الرد: “الهاتف الذكي”. الابتكار الذي احتفل العالم خلال هذا الشهر بعيد ميلاده الخامس والعشرين. وإن كانت حكايته بدأت قبل ذلك بكثير.
عام 1876 شهد العالم ولادة الهاتف.. واستغرق الأمر مئة عام تقريبا (عام 1973) ليشهد العالم ولادة أول هاتف محمول. ولكن الثورة الحقيقية بدأت مع إطلاق أول جهز آيفون عام 2007 من قبل عملاق التكنولوجيا الأميركي أبل. ورغم أن آيفون لم يكن أول هاتف ذكي، إلا أنه كان أول هاتف يحوي واجهة عرض سهلة الاستخدام. ولاحقاً تم تكييف هذا الهاتف مع تقنية الجيل الثالث للاتصالات، التي كانت متاحة منذ سنة 2001.
أول اتصال هاتفي
حكاية الهاتف بدأت في مكتب متواضع لمهندس اسكتلندي طموح اسمه غراهام بيل، الذي أحدث بابتكاره ثورة غيّرت مفهوم الاتصال عبر العالم، ومهما كانت الشكوك التي يثيرها بعض المؤرخين الذين يعزون اختراع الهاتف إلى الإيطالي أنطونيو ميوتشي، يجمع العالم على أن الاتصال الذي أجراه بيل مع مساعده في غرفة ملاصقة هو أول اتصال أجرته الإنسانية عبر الهاتف.
وسرعان ما نمت حول هذا الاختراع صناعة كبيرة شملت شبكة اتصالات عالمية، واستثمارات هائلة في البنية التحتية. وكان على العالم أن ينتظر عبقريا آخر، هو المهندس الأميركي مارتن كوبر، الذي التحق عام 1954 للعمل في شركة موتورولا، وساهم في ابتكار أول هاتف محمول عام 1973، لكنه لم يطرح في الأسواق العالمية إلا بعد عشر سنوات من ذلك التاريخ. ورغم سعره المرتفع حينها، يعادل 10 آلاف دولارات اليوم، إلا أن هاتف موتورولا حقق انتشارا واسعا بين طبقة الأثرياء والسياسيين.
نشأت فكرة الهاتف النقال لدى كوبر، الذي حصل على شهادة بكالوريوس في الهندسة الكهربائية في معهد إلينوي للتكنولوجيا وحصل على درجة الماجستير من المعهد ذاته في أوائل السبعينات، في الوقت الذي كانت فيه الهواتف الخلوية أجهزة غير عملية، مدمجة في لوحات عدادات السيارات.
مهما كانت الشكوك التي يثيرها البعض يجمع العالم على أن الاتصال الذي أجراه بيل مع مساعده هو أول اتصال أجرته الإنسانية عبر الهاتف
قبل 70 عاما، كان على من يريد التحدث بهاتف متنقل حملُ جهازٍ يتعدى وزنه اثني عشر كيلوغراما وتغطية متواضعة. أما الاتصال في حد ذاته، فكانت تقوم به “موظفة في البدالة”، وينقطع بمجرد مغادرة منطقة تغطية الإشارة اللاسلكية. وبسبب التكاليف المرتفعة لهذه الطريقة، بقي الاتصال المتنقل حكراً على الساسة ومدراء الشركات.
لم يكن ثمة قنوات اتصال سوى القليل من القنوات اللاسلكية لإجراء المكالمات، وغالبا ما كان المستخدمون يضطرون إلى الانتظار لفترة طويلة في انتظار إتاحة قناة اتصال.
ولم يكد كوبر يضطلع بمسؤولية قسم هواتف السيارات في شركة موتورولا حتى قرر على الفور ألا تقتصر وظيفة هذه المنتجات على الاستخدام داخل السيارات فقط، بل يتعين أن تكون صغيرة وخفيفة ليتسنى حملها طوال الوقت، ويقول “تملكتني فكرة تحويل المنتجات إلى أشياء محمولة”.
منذ ميلاد الفكرة في مهدها وحتى ظهور النموذج الأولي إلى النور استغرق الأمر 90 يوما، وذلك في العام 1972 عندما أعلن كوبر عن مسابقة تصميم تحت رعايته بين مهندسي موتورولا، وفي حفل العشاء الذي أقامه في ديسمبر من نفس العام انبرى كل مهندس ليقدم نموذجه الأولي، وقال كوبر حينها “قررنا انتقاء أقل الهواتف بريقا، وأكثرها بساطة”.
كان العرض المبهر حين قرر كوبر إجراء مكالمة هاتفية مستخدما الجهاز في الثالث من أبريل عام 1973، بعد عقد شركة موتورولا لمؤتمر صحافي لتقديم هاتفها للعالم في فندق هيلتون بمدينة نيويورك، إذ اتصل كوبر بجويل أنغيل وهو مهندس في شركة الاتصالات المنافسة “إيه.تي.أند.تي” ليخبره بأنه يتحدث إليه من هاتف محمول.
عصر الاتصالات المتنقلة
ظلت ذكريات اليوم الأول لظهور الاتصالات المحمولة، وتأثيرها المشتت للانتباه تراود كوبر دائما، وكان يعبر عنها بابتسامة قائلا “كنت أتحدث وأتقدم نحو الشارع حتى كادت تصدمني سيارة”.
وأخيرا تمخضت جهود كوبر عن هاتف يحمل الاسم“دينا تاك” يسمح بـ35 دقيقة من التحدث، ويزن كيلوغراما واحدا، وبعد أربع محاولات لاحقة، توصل فريق كوبر إلى تخفيض الوزن إلى النصف.
وفي مقابلة أجريت معه بعد مرور أكثر من ثلاثين عاما على أول ظهور للجوال، تحدث كوبر عن تجربته المثيرة في استخدام أول محمول في العالم وكيف كان الناس في شوارع نيويورك ينظرون إليه في دهشة وهو يمسك بالهاتف ويتحدث.
نجحت شركة موتورولا التي بدأت سباق المحمول بطرح أول جهاز بحجم الجيبفي الأسواق عام 1989، وهو هاتف “مايكرو تاك”، وكان أول جهاز هاتف بغطاء يمكن فتحه وإغلاقه. وبهذا الهاتف بدأت الشركات تتوجه لإنتاج هواتف محمولة أصغر وأدق.
في صيف 1992 افتتحت موتورولا عصر الاتصالات المتنقلة الرقمية، إذ أصبح بالإمكان إجراء مكالمات هاتفية دولية بالهواتف المحمولة، في نفس الوقت الذي استمرت فيه عملية تطوير هذه الهواتف. ويعتبر جهاز “موتورولا إنترناشيونال 3200″، المعروف تحببا باسم “العظمة”، مقارنة بالهواتف في ذلك الوقت صغيرا جدا. كما يعتبر أول هاتف محمول بقدرة نقل بيانات تصل إلى 220 كيلوبت في الثانية.
النجاح الذي وصف بالمنقطع النظير كان إدخال خدمة الرسائل القصيرة(SMS)عام 1994. في البداية، كانت هذه الخدمة مخصصة لإرسال رسائل حول قوة الإشارة اللاسلكية أو أي خلل في الشبكة للزبائن. لكن هذه الرسائل، التي لا تتعدى الواحدة منها 160 رمزا، تحولت إلى أكثر الخدمات استعمالا بعد الاتصال الهاتفي نفسه. وقام الكثير من الشباب بتطوير اختصارات خاصة بهذه الرسائل.
ومع بداية سنة 1997، بدأ الطلب على الهواتف المحمولة يزداد بسرعة، لاسيما الهواتف ذات الغطاء الذي يمكن فتحه وإغلاقه والغطاء الذي يمكن سحبه. وساهمت الأسعار الرخيصة نسبيا لهذه الأجهزة، بالإضافة إلى إدخال خدمة البطاقات مسبقة الدفع، في تحويل الهواتف المحمولة إلى منتج شعبي.
كان على العالم أن ينتظر حتى عام 1996، ليستقبل أول هاتف ذكي.
في منتصف التسعينات قدمت شركة “آي.بي.أم” ما يعتبر أول باكورة هذه الهواتف، وهو هاتف مجهز ببرمجيات الحاسوب ومتصل بشبكة الإنترنت، لكن بطاريته كانت تنفذ خلال ساعة فقط.
ثورة تقنية
منذ تلك اللحظة بدأت خطوات التطوير تتسارع، ليبرز اسم شركة نوكيا الفنلندية التي فاجأت العالم بهاتفها “نوكيا 9000 كوميونيكيتر”، في 15 أغسطس 1996، بلغ وزنه 400 غرام وكان أول هاتف يمكنه الاتصال بالإنترنت، وروّج على أنه “مكتب بحجم الجيب”. وكان الهاتف الذي بلغ سعره عند إطلاقه 2700 مارك ألماني (نحو 1340 يورو)، يستهدف رجال الأعمال بشكلأساسي.
أما هاتف Nokia 7110 الذي أنتج سنة 1999، فكان أول هاتف محمول ببروتوكول التطبيقات اللاسلكية (WAP)، والذي يحتوي على تطبيقات لاستخدام الإنترنت عبر الهاتف المحمول. ورغم أن هذا التطبيق لم يكن يعدو كونه تقليصا للإنترنت في شكل نصي، إلا أنها كانت خطوة ثورية للهواتف المحمولة. وتبعت هذا الهاتف هواتف مشابهة جمعت بين الهاتف والفاكس وجهاز النداءالآلي.
ومضت خطوات تطوير الهواتف المحمولة بسرعة كبيرة، وبات من الطبيعي أن يضم الهاتف المحمول شاشة ملونة ويحوي مشغلا لملفات الموسيقى وراديو ومسجلا لمقاطع الفيديو. وبفضل تقنيتي WAP وGPRS، أصبح بإمكان المستخدمين تصفح الإنترنت بشكل مضغوط على أجهزتهم.
بصمة أخرى تركتها موتورولا على الهواتف بطرحها RAZR عام 2004 وهو هاتف مزود بكاميرا، وتم تسويقه على أنه “موضة”، وبيع منه أكثر من 50 مليون هاتف حتى منتصف 2006. لكن التقنية التي يحتويها هذا الهاتف لم تكن ثورية، إلا أن منظره كان مثيرا للإعجاب. ومن خلال هاتف RAZR حصلت الهواتف المحمولة على وجه جديد.
هذا التحول قاد إلى ما يسمى بـ”ثورة صناعية تقنية” عام 2007، عندما طرحت أبل جهاز “آيفون”، لتتغير معه معالم الهاتف والاتصالات للأبد.
ظهور تقنية الجيل الرابع للاتصالات عام 2009، ساهم في جعل الهواتف المحمولة والذكية أكثر فعالية، إذ وفر لها اتصالا جيدا بالإنترنت، ما زاد من الخيارات المتاحة.
وأتاحت “شبكة الجيل الخامس” التي بدأت تنتشر عام 2019، فتمنح الهواتف الذكية سرعة تنزيل أعلى بكثير من السابق، ما يمكن الهواتف الذكية بالفعل من أن تصبح “مكتبا في جيب!