المعالجة الدرامية لسيناريو "الزكّال" .. الحبّ أهم من الأيديولوجيات
يرسب جواد مرة ثانية في الباكالوريا، يطرد في الذكرى الأولى لوفاة والده، تسبقه شقيقته التوأم في الدراسة ويفسر ذلك بأنها خرجت من بطن الأم قبله… ليحقق ذاته يرهن نصيبه في الإرث ليتابع دراسته في ثانوية خاصة، لكن طبعه المتعجرف وفقدانه للإرادة يبعدانه عن الهدف، ليجد نفسه في مشاكل لم يتوقعها… الزكال ولد مدلل يركل في كل اتجاه لكن لا يمكنه في وقت الأزمة تدبير أموره بنجاح…
الزكال Ezzagal بالأمازيغية وبالدارجة المغربية صفة لشخص يسدد فلا يصيب هدفه.
كتبت هذه المعالجة في أكادير منذ سنوات وتعاونت مع الأخ محمد محب على تحويلها إلى سيناريو يمتد على 120 مشهدا.
أنشر هذه المعالجة في زمن الحجر، خاصة وأني أتلقى سيناريوهات للقراءة، كلها حوارات، وغالبا أن المعلومة الوحيدة في كل مشهد هي (نهار خارجي مقهى). دون وصف لا المكان ولا الزمان بالضبط ولا الحدث الذي سيجري. فما بالك بوصف النبرة والنظرة والإشارة التي سترافق الحدث والحوار في السيناريو. لا وجود لهذه الضرورات السردية الروائية في جل السيناريوهات.
المعالجة الدرامية:
وجوه بين مربعات شباك حديدي، التاسعة صباحا أمام الثانوية، ضجيج زغاريد، ضحك وبكاء وشمس حارقة، ظهرت نتائج الدورة الاستدراكية للباكالوريا في 15 يوليوز، لم ينجح جواد ولا صديقته زاهرة، يبقى وجهاهما ملتصقان بالشباك الحديدي لباب الثانوية، يرن هاتف جواد، يجيب ثم يلتحق في طاكسي بأمه وشقيقته أسماء في المقبرة للترحم على الأب في الذكرى الأولى لوفاته، فقد مات عندما رسب جواد للمرة الأولى، لم يتحمل الصدمة.
في المقبرة يرفض جواد أن يتخشع أمام قبر والده ويوبخ أمه لأنها تبكي على رجل كان يعنفها وكانت تتمنى له الموت، وعندما مات صارت منافقة تبكي عليه، (كان والد جواد سائق تراكس في بناء الطريق السيار، كان يعاني من ربو بسبب الغبار، كان يريد لأولاده مِهنا لا غبار فيها، وكان يجدّ ليوفر لهم كل الظروف، لم يتحمل صدمة تكرار ابنه).
يرجع أفراد الأسرة في سيارة أجرة إلى البيت في حي متوسط، تتوقف السيارة أمام البيت المتميز من طابقين كبيرين ومحلات سفلية ضخمة بأبواب حديدية، يعتبر البيت هو موضوع الصراع في الفيلم وهو الذي سيقسّم مصائر الشخصيات.
في البيت، وللتأكيد على زمن الصّيف، يعرض التلفزيون صور المهاجرين العائدين إلى المغرب محملين بالهدايا والمقالي القديمة، يتحدث المذيع عن استقبال مواطنينا القاطنين بالخارج… يلاحظ جواد أن السيارات التي يجلبونها متآكلة لا تشبه سيارات خاله… يغير القناة ليشاهد مسابقات الكولفازور ويقرر ما سيفعله بحياته: سيصير بطلا يسدد.
يعلن ذلك وهو واقف أمام صورة والده، صورة رجل عملاق أصلع مكشر يقود جرافة صفراء.
في البيت، وبسبب جو الحزن والفشل، تصمت أسماء ولا تحتفل بحصولها على الإجازة في القانون بتفوق، تناقش مع أمها مشروعها للتمرن على المحاماة، وتقضي العطلة الصيفية في مطالعة كتب القانون، الأم تصوم يوم الإثنين من كل أسبوع رغم الحرارة، بينما جواد وصديقته الراسبة والمطرودة مثله، زاهرة، يقضيان العطلة في لعب الكولفازور ليصبحا بطلين عالميين. يتجولان في سيارة الفتاة الصغيرة، في مقابلات الكولفازور يخسران لأنهما لا يفهمان في الرياضيات وفي التموقع المناسب مكانيا وزمنيا فإن لعبهما عشوائي ولا يعطي نتيجة. لا يسددان جيدا، إنهما “زكال وزكالة”. يقضيان الوقت في التناقر ولكن زاهرة لا تتركه يلمسها أو يقود سيارتها. إلا هذا.
خلال اللعب تظهر شخصية زاهرة الجميلة الواثقة جدا والبلهاء، تنتعل حذاء بكعب عالي يعقد مشيتها… تريد من يحبّها من أول نظرة ويخلص لها للأبد… وهي لم تر بعد أحدا كهذا… تظهر أيضا شخصية جواد، مندفع، راض على شكله، شكل يهتم به كثيرا أمام مرايا قاعة الكولفازور، يتضح أنه سطحي، متمسك بآرائه، يعتبر نفسه أفضل من أخته التوأم التي لم ترسب قط في حياتها، حتى إنها ستصبح محامية بينما هو لم يحصل بعد على الباكالوريا. يفتخر بثراء خاله في الكولفازور ويشتمه في البيت ويقاطعه. ترد عليه أمه أن المثل يقول “ثلثي الولد خاله”، وتضيف أن جواد ليس فيه حتى عشر خاله.
تكمن قوة جواد وجاذبيته في أنه حازم وجاد حتى وهو يرتكب حماقات بكامل الجدية، لأن تلك هي حقيقته، يدخن ويستخدم ولاعة ذات شعالة نار طويلة جدا، لا يشرب إلا الكانيط ريد بول… يتصرف بكبرياء، حين لا يلعب وينتظر خصمه أن يلعب يستخدم العصا مثل مدفع فروسية، بينما تستخدم زاهرة العصا كحصان من قصب، تضعها بين فخذيها…
يشارك جواد في دوري رهان بالكولفازور ويقصى ويتهم خصمه بالغش، يشاهد الجميع خطبة أوباما يقرر إرسال مزيد من الجنود إلى أفغانستان على التلفزة، في البيت تقول أسماء لجواد إنك لا تلعب جيدا وتوضح له أن التسديد من الدماغ وليس من العصا، لكن جواد يوبخها لأنها لا تفهم مثله، وهي تحبس نفسها طيلة الوقت في غرفتها. يفتخر أنه سيصبح بطلا فترد عليه بهمس “ينبغي التبجح عند العودة من الحرب وليس عند الذهاب إليها”.
يمثل الكولفازور الملتصق بمقهى المكان الذي يقضي فيه جواد جل وقته يسدد بالكرة البيضاء على الكرات الحمراء والصفراء.
تنتهي العطلة الصيفية فيبحث جواد عن برنامج آخر، يرى أخته تستعد للتدرب على المحاماة فيقرر الالتحاق بثانوية خاصة قصد الحصول على الباكالوريا، ولتمويل مشروعه يقرر كراء المحلات الموجودة أسفل بيت الأسرة، تتصل الأم بجزار الحي ليبحث عن مكترٍ، يجد جواد أمه عند الجزار فيوبخها مع الجزار فيفهم الجزار طبيعته فينقلب على موقفه ويأخذ جواد على قدر عقله ويتأسف له لأنه “إزم نتركا”، أي يلقبه “سبع الساقية”. يفرح جواد بتوصيفه كأسد ويتصالح مع الجزار. ويرشدهم الجزار للسمسار ليحل المشكل.
يتم كراء المحلات الواسعة لكن يتعثر الكراء فيقرر جواد رهنها، والرهن موضة المرحلة حيث يسعى له كثيرون دون أن يروا مخاطره، لكن أسماء تطالب بإجراء قسمة عادلة للتركة ليتصرف كل فرد كما يريد بنصيبه، يفاجأ جواد بهذا المطلب الواضح وهو الذي يرى شقيقته غبية حسب وجهة نظره. يوافق على القسمة من باب العناد لا من باب إدراك المخاطر. وهذا العناد وردّ الفعل المندفع هو طبعه الذي يملي عليه تصرفاته لإثبات ذاته.
إن جواد البطل، الذكر الوحيد شقيق أربع بنات (العزباء أسماء والمتزوجات: فاطمة ومريم وليلى)، تلقى تربية مدللة كذكر وحيد، وحين مات والده صار مجبرا على الاعتماد على نفسه في وجه الورثة وهو ما لم يتعود عليه. يعيش صراعان: صراع داخلي لتعريف نفسه في الوضع الجديد، وصراع خارجي مع المحيط لفرض وجوده ثم لإنقاذ مستقبله. له صراع مع شيطان داخلي وآخر خارجي.
بالنسبة له، كل فشر هو دليل قاتل على أن الإناث أفضل منه، وهو ما لا يتصوره الذكر في مجتمعاتنا.
تظهر هنا أزمة المرور المبكر والمفاجئ من الشباب إلى الرجولة تحت ضغط الظروف، حكاية بطل طموح له خطيئة جسيمة: الغرور، عدّته الوحيدة هي اعتقاده أنه وسيم وقوي، جواد راض على شكله ساخط على إنجازاته، يتصرف بعجرفة حتى وهو في موقع ضعف، عاجز عن اكتشاف خطئه.
يتتبع الفيلم رحلته
في الأزمات يتذكر جواد جدول أعماله الأصلي، يوبخ نفسه حتى يكون على وشك البكاء… إنه عبد للوضعية التي هو فيها، لا يخطط ولا يرى على المدى البعيد… يقرر أن يصحح فيناور، وكلما حاول المناورة وإضاعة الوقت تأزم وضعه أكثر، لا يحسم في مصيره، بل يخضع مصيره لتجارب متتالية نازلا نحو الهاوية… يصنع لنفسه خلطات من الأمل الزائف الذي ينتهي بتعميق اليأس الشديد.
كل الاختبارات التي يمر منها جواد محكومة بمنطق حلم التفوق على شقيقاته، سواء المتعلمة أو الأميات الأخريات. يعاملهن بعنف مضمر. دون كلمات ولا لكمات، لكن طريقة استعلاء شديدة.
تجري قسمة التركة عند العدول بحضور خال جواد، توزع الطوابق الثلاثة، يحصل جواد على المحلات التجارية الكبيرة. ويجب أن تظهر حركة الكاميرا صورة المنزل واضحة لأنه عنصر رئيسي في الصراع، منزل كبير واسع مغري من الخطر المغامرة به.
يرهن جواد نصيبه مقابل 20 مليون سنتيم لمدة عامين، أثناء توقيع وثيقة الرهن يقول جواد للراهن في المكتب العمومي “أشم فيك رائحة جلد الذئب”، فترد الأم على ابنها أنها تشم فيه رائحة جلد الضبع. يسمع ولكنه لا يعي خصوصيات الخط الذي يسير فيه، لذا يتجه إلى الجدار ليصطدم به.
يضع الراهن الوثيقة في ملف أحمر بارز يظهر في لقطة كبيرة وجواد يتأمله.
يأخذ الخال جواد إلى بنك، يضع جواد النقود في البنك ويحصل على بطاقة بنكية تفتح له طريق الجنة، ثم ينطلق ليعيش مرحلة رفاهية ظرفية قوية، يدلل زاهرة ويشتري ملابس جديدة وينفق بكرم وثقة، يطيل شعره ويقصه بحيث يعطي وجهه سيلويت أسد silhouette واثق مندفع يصطدم بما حوله… يصور ماشيا، تمثل الصورة المندفعة وعيه لذاته المتضخمة، ينتعل كاتير بيلار أصفر ضخما ثقيلا يعطي لمشيه صوتا رتيبا كأنه يدك الأرض. تزداد ثقته بنفسه، كان التصرف في نصيبه في التركة دليلا ماديا على رجولته.
يلتحق بثانوية البديل الخاصة، وهي ثانوية أسسها إدريس الواحيوي، مناضل سابق حصل على تعويض من هيئة الإنصاف والمصالحة، ولديه فلسفة تفاعلية في التسيير. المدير ثوري ينشد درويش بعمق، يردد “وأنا التوازن بين من صمدوا ومن هربوا”، يعتقد أن ثورة الشعر لا تموت، ينتقد الليبرالي المتحلل من كل الالتزامات الأخلاقية، ما عدا الالتزام الأناني بتوسيع أفق الربح بأبعد ما يمكن. مؤسسته التعليمية ضد هذه الفلسفة. حصل على تعويضات الإنصاف والمصالحة ويستثمر في التعليم…
مدير هوايته أن يسدد بسهام على لوح أمامه فيه دوائر ملونة. مدير لديه سكرتيرة في الثلاثين تبحث عن زوج، تأتي متزينة كل يوم بشكل تصاعدي مع تقدم الفيلم، يفترسها المدير بعينيه دون أن يتقدم خطوة… يسدد على اللوح ولا يسدد على المرأة التي تحلم به زوجا لها. إنه زكال آخر بطريقته الخاصة.
في الثانوية يستمر جواد في سلوكاته، تقول له أمه “سكر العز” بينما شعاره “سكر بوس كافي”، يلعب ويزعج الأساتذة بينما النقود تفلت من يده، يريد التغيب لكن زاهرة لا تريد التغيب لأن والدها، صاحب وكالة سياحية ذات فروع متعددة في عدة مدن مغربية، متفتح لأنه تأثر بالسياح الذين يتعامل معهم، يمنحها الحرية شرط ألا تتغيب وألا تتأخر عن السابعة والنصف مساء، وإن فعلت سينتزع منها سيارتها الصغيرة.
أما أسماء فقد التحقت بمكتب محاماة تتمرن لدى محام عجوز خبير، أسماء فتاة مجتهدة تختفي تحت ظل جواد الذي يفرض عليها ملابس فضفاضة ويراقبها وتخافه، تُجاريه كي لا تتحداه، فهو مجنون بالنسبة لها، لكن سعيدة بجنونه لأن شبان الحي يخافون التحرش بها. في المكتب يوجد عمر، محام شاب طويل عريض ومؤدب يتعاون بين حين وآخر مع أسماء في بعض القضايا.
يتفرع المساران: أسماء تصعد وجواد ينزل
يستيقظ جواد متأخرا بشكل دائم، يقضي وقته بين الثانوية والكولفازور وهو مقهى يشرب فيه كانيط، في البيت يلعب الكولفازور على هاتفه المحمول. قارنته أمه بوالده واستنتجت “أن النار تلد الرماد”، وتصف فيه شباب جيل يخلق مشكلة ليثبت أنه قادر على مواجهتها، وهكذا يبذر طاقته في معارك مفتعلة.
في حصة لعب كولفازور تظهر أخبار حدث آني يحدد للمتفرج المرجعية الزمكانية والتاريخية للأحداث، أي الآن، ستكون التلفزة هي كرونو الفيلم، ليعرف المشاهد كيف يمر الزمن المدرسي، يراهن جواد أن منتخبا سيتأهل، بينما تراهن زاهرة على آخر. خسر جواد الرهان فحكمت عليه زاهرة أن يشتري سكوتر ضخما.
من باب العناد مع زاهرة، التي تنادي والدها “الباطرون”، يشتري جواد دراجة سكوتر صفراء ضخمة ويضطر مرارا لطلب نقود مقابل شيكات للراهن… في المدرسة يعزل المدير جواد في مجموعة “الفرصة الثالثة” ليتعامل بيداغوجيا بطريقة مختلفة مع مجموعة من التلاميذ الذين يشتكي منهم الأساتذة، يحتفل المدير بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عاشر دجنبر بالثانوية… ويشرح أن الحرية حق، والحق مسؤولية. والحرية ليست طريقا للفوضى.
يتبع إدريس، المدير المثقف، البيداغوجيا الحديثة كما عرفها جون بياجي، يصغي لتلاميذ مؤسسته، يجد أن في مؤسسته 10 زكالة يجمعهم في فصل خاص يسمى في قاموس وزارة التعليم “لجنة اليقظة”، يحاول المدير توجيه الأذكياء ويسلط عنفا لفظيا على الزكالة الكبار.
يحاول إدريس مع العشرة في المائة ليصالحهم مع المؤسسة التعليمية، لكنه حازم وهو مستعد ليضحي بهم لينقذ الباقي. يبين أن ثانويته للتعليم وليست دكانا ترسل له الأسر الميسورة أبناءها الذين فشلوا في كل المحطات. يقرر أن ثانويته فرصة لا خيبة، وقد فتح ثانوية (وليس روضا وحضانة وابتدائي) لأن المراهقين مهملين، خاصة الذكور…
يريد المدير التغيير الاجتماعي لا الربح، نتابع في الفيلم أشغال لجنة اليقظة: المدير يدرب الزكالة العشرة على التسديد، كرة السلة للتسديد، كم من مرة يسدد اللاعب الأمريكي ويصيب؟
هذا درس سيكولوجي رياضي ومعادل موضوعي لتعديل الذهنية، فالتسديد يتم من الرأس لا من اليد. جواد لا يسدد جيدا، بدل أن يركز يطالب بتوسيع دائرة السلة ليتمكن من تسجيل ثلاث نقط دفعة واحدة، ليصيب الهدف. طلب مجنون. يرد المدير أن أمريكا هي التي تحدد حجم الثقب، ويقول لجواد إنه بطريقة تفكيرك هذه لن ترى أبدا أياما أفضل.
في عطلة المسيرة الخضراء يذهب عدد من الزكالة إلى الكولفازور مع جواد يلعبون ويتحدثون عبر بحث كل شخص عن تحدي الآخر، يلمح أحدهم إلى أن جواد مجرد “طاكسي” يسلي زاهرة فيغضب جواد ويؤكد أنها تحبه فيراهنونه على الزواج بها، يربح الرهان فهو زكال أفضل من باقي الزكالة المرافقين، ومع ذلك يقرر خطبة زاهرة، يتجهون إلى بيت الباطرون لخطبة زاهرة، يوافق الأب الذي يأخذ الثلاثة على قدر عقولهم، شرط أن توافق ابنته.
تختلي زاهرة بجواد تقول له رأيها فيه، حركات دلع وكلمات قاسية: إنه مجرد زكال وسيم ولكن غير كفء، وتشرح له أنه لا يملك حس المسؤولية ويصعب أن تعتمد عليه امرأة، ولكن تؤكد له أنه مسلي ووسيم وهي تحب الحديث مع الشبان الوسيمين.
لكن جواد لا يفهم كيف ترفض هي الزواج بالأسد، ومنذ ذلك الحين يستمر التعامل بين الإثنين لكن تتخلله برودة وسخرية متبادلة تشرح شخصيتيهما معا. وهنا تظهر شخصية زاهرة، تعجب بالرجال الوسيمين، وهي تشتكي أنهم ليسوا أقوياء لإخضاعها، وهي نموذج يجذب من بعيد، لكنها بلا عمق، مثل جواد، إنها مظهر أخاذ، بقد وشعر منسدل.
بعد صدمة زاهرة يعجب جواد بجمال نادية، ابنة راهن الدكانين، يتملق أسماء لتتوسط له لدى نادية، لكن لا يستطيع التفاهم معها لأنها تسمي الأشياء بأسمائها ولديها أجندة مقررة سلفا ولا تحيد عنها، يكتشف جواد أن مزاجها حاد مثل شقيقته، بينما هو مزاجه رخو ورجراج… يعود إلى زاهرة التي تناسبه، تركب خلفه على الدراجة ويتماوج الشعر في الهواء على الطريق الشاطئي.
في سباق بين جواد بالدراجة وزاهرة بالسيارة يسقط جواد، يصاب بشكل خفيف بينما تتعرض الدراجة لكسر تام… يرقد جواد بالمستشفى ويشاهد الأخبار على التلفزة لتحديد الزمن الدراسي الضائع… بعد مغادرة المستشفى يعود جواد للاستدانة من جديد وللإنفاق على أناقته وعلى زاهرة… تظهر نقط الفروض الأولى في الثانوية فيجد جواد أن برنامجه للنجاح يهتز… لكن العناد أقوى من برنامجه، يلعب الكولفازور ويراهن بنقوده ولا يسدد جيدا… يحتفل برأس السنة، يتفرج على أمريكا ترسل المزيد من الجنود إلى أفغانستان…
إدريس، مدير الثانوية، يشاهد الخطاب الملكي عن الجهوية ويتصل برفيقته زمن النضال ويناقش معها الموضوع.
في الثانوية تبدد الأمل، في المنزل يزداد التوتر بين جواد وأمه وأخته، زاهرة تتسلى به فقط، نصيبه من إرث والده يتبدد، والمحيطون به ينتقدونه، ينتقده مدير الثانوية مقارنا بين جيله وجيل جواد، جيل الزكالة، بينما ينتقده ابن الجيران باستخدام الحاسوب: جواد بدون مركز ارتكاز، بدون ذاكرة “تا يتفورماتا كل نهار ما كايديرش لا ميز آجور” لذا تكثر الفيروسات في دماغه فلا يسدد جيدا…
Un type qui n’a pas de mémoire qui se formate chaque matin et qui ne fait pas de mise à jour
النقود ذابت والإرث سيضيع، لذا يقرر جواد أن يبادر، يطلب من أسماء دعوة نادية، تحضر، يسألها جواد بشكل موارب عن والدها ووثائقه، يأخذ منها معلومة مهمة… تذهب نادية، توتر أم جواد يزداد… تتألم وترى الكارثة التي ستحل بابنها الوحيد، حينها يجري في المنتصف المشهد الرئيسي في الفيلم:
قبيل آذان المغرب كالعادة، تضع الأم الصائمة صينية الإفطار أمامها، يدخل جواد هائجا وقد يئس من إنقاذ نفسه، يتجادلان حول من أخطأ، يبدأ الحساب مع الأم، جواد يحاكم بيئته لا المدرسة، يلوم التربية التي تلقاها. نصائح أم مغربية:
احذر أن تنهض فتقع، احذر أن تطل من النافذة فتسقط نصائح تصنع عقلية متخوفة متشككة في المحيط، عقلية محبطة في عشر سنوات الأولى من عمره، عمر الفهم والتعلم، كانت أمه وأبوه في خلاف دائم لأسباب تافهة، يحذرانه، يضربانه ليفرغا فيه غضب خلافاتهما، لذا ذهب إلى المدرسة غبيا، تأصل فيه الغباء، لذا لم ينفعه كل أساتذته… رفضت أمه اتهاماته وقارنته مع اخته ووصفته بالزكال فغضب، صار كتلة مشاعر دون عقل وهو أسد الساقية فركل صينية الإفطار فاصطدمت الزلافة بالجدار وارتفع صوت آذان المغرب.
بقي برويتاج الاصطدام وتشتت الزلافة ثم الآذان عالقا بذهن جواد إلى الأبد.
بعدها يخرج جواد إلى الهاوية، يذهب ليسرق وثيقة رهن المحلات ليسترجع أملاكه، يتصل بنادية، ابنة الراهن، ليتأكد أن لا أحد في البيت، يسرق الوثيقة ويعتقل بينما أمه في المستشفى مصابة بسكتة دماغية لأنها لم تفهم كيف يفعل ابنها كل ذلك قبيل آذان المغرب.
في السجن يخلو جواد بنفسه لأول مرة ليحدد أخطاءه، من فرط الصدمة يبكي ثم يتساءل لم دموعه مالحة؟
يفحص جواد علاقته بنفسه لأول مرة، مع رنين الزلافة وصورة خصمه الذي صار بطل كوفازور في التلفزيون، يعترف جواد لنفسه بأنه خسر دون أن يكون له خصم. لأن خصمه هو مزاجه، بل هو عدوه، عدو نفسه. يحدد أخطاءه ولا يعالجها.
في السجن هو في الغابة ويتصرف بلا مبالاة، يسمونه ولد ماماه، دائما يستيقظ بعد الإفطار فيجوع…
يصرح جواد أثناء التحقيقات بأنه أخذ وثيقة الرهن لا ليسرق بل خطط لبيع نصيبه لدفع نقود الرهن فهو كان ينوي رد النقود لصاحبها، لكن الراهن استخرج الشيكات التي وقعها جواد بعد كل استدانة…
الصفقة
تدخل أسماء والمحامي عمر على الخط للتفاوض بحثا عن حل بثمن مهول. تعلن أسماء أن هذه فرصتها لتصفية البيت الذي يجمعها بأخيها، لتتحرر منه إلى الأبد. فطيلة النصف الأول من الفيلم تنظر أسماء إلى جواد من “تحت الشقف” خائفة، تنصحها أمها ألا تثير جنونه. بعد سجنه صار في موقف صعف فقررت أسماء: هذه مصيبة سأصنع بها خلاصي. تشرح: إذا بقيت ضعيفة سيجرني جواد من أنفي، لندعه لحاله، يعيش مع النتائج سأقطع كل علاقتي به، لم يرحم الرحم الذي حبل به. لماذا سيرحمني أنا؟
تم عقد صفقة، اشترى بموجبها الراهن كل الدار من الورثة، تنازل عن الدعوى ضد جواد الذي يحاكم بشهر سجنا بعد عطلة 11 يناير التي يحييها إدريس في ثانويته، يهتم بالتاريخ ولا يرى طزاجة سكرتيرته.
تم بيع الدار بـ160 مليون تحت الضغط وثمنها 200 مليون، تم تقديم عشرة ضريبة، والباقي مقسوم على ثلاثة، حصل جواد على خمسين مليونا، وبما أنه استهلك ثلاثين فقد تبقت له عشرون، أرغمته أخته على شراء محل في حي شعبي بـ 18 مليونا، بقي مليونان سيتسلمها حين يخرج من السجن.
لقد كان هدف أسماء هو قطع كل صلة بجواد لتتحرر من الماضي الذي يمثله. وهو يفاجأ بأن القطة المغمضة التي كان يهينها تحمل له كل هذا العداء وتخطط لكي لا تراه أبدا…
هناك جائزة للسلوك السيء وجائزة للسلوك الجيد
أثناء سجن جواد، تتزوج أسماء بعمر المحامي العملاق، هنا تتحول أسماء إلى فتاة فاتنة، تظهر أنيقة بسروال قصير أسود وقميص مفتوح تدهش، أعلنت أن جواد بالنسبة لها مات، لم يعد لها أخ، قتل أمها حين ركل إفطارها.
في هذه المرحلة من الفيلم يتراجع دور جواد ويتزايد دور أخته أسماء، المجتهدة الناجحة، فالعالم ينتهي في يد المجدّين بينما يخسر المدّعون مواقعهم التي حصلوا عليها بالصراخ والقوة العضلية. النصر للذكاء والاجتهاد، التسديد من الدماغ وليس من العصا… نرى المحامي وأسماء معا يتعشيان في مطعم راق والتلفزة تتحدث عن حدث آني، والجيش الأمريكي يساند هايتي، يذكر المحامي أن هوغو شافيز اتهم أوباما باحتلال هايتي فتجيب أسماء “ولماذا لا يرسل تشافييز الزكال مساعدات بدل إرسال الكلام”.
الزكالة الأخرى، زاهرة جاءها عريس فأخذته لتستشير صديقة لها، قالت الصديقة إن العريس لديه عدة شعيرات بيضاء في شعره لذا لا يصلح للزواج، ثم غمزته الصديقة، بعد أيام عرفت زاهرة أن صديقتها تزوجت الرجل.
حين تشاهد زاهرة صديقتها مع الزوج وهي تضع خاتما، لقطة مكبرة على الخاتم في يد الصديقة. في شارع يظهر تاجر الذهب خلفها، تدخل وتشتري خاتما ذهبيا، تضعه في يدها، تتأمله، ثم تزيله، وتخفيه في حقيبتها… تدخل دكان سلع، تشتري أكلا كثيرا تنطلق بسيارتها إلى السجن لتزور جواد فيمنعونها من الدخول لعدم وجود صلة…
تبكي وهي تضع الخاتم، لم تتمكن من رؤية جواد في السجن لتشكو له غدر صديقتها، ترفض إدارة السجن لأنها ليست لا أخته ولا زوجته، تقضي جل وقتها في الكولفازور تشاهد المقابلات… تتصل بجواد هاتفيا لتحدثه عن غدر صديقتها بينما هو يشتكي من الأفعى شقيقته أسماء…
يخرج جواد من باب السجن حليق الرأس نحيفا مترددا، تستقبله زاهرة في باب السجن، كانت مندهشة لحلاقته وبعض لحيته وتقول له أصبحت رجلا، صارت معجبة بشكله الجديد، تنطلق السيارة ثم يظهر حذاء جواد كاتر بيلار مهترئا في لقطة قريبة جدا ثم تصعد الكاميرا ويظهر جواد قرب منزل الأسرة ينظر إلى المنزل، جميع النوافذ مغلقة، يلقي نظرة على الجزار…
تأخذ زاهرة جواد إلى الحمام تنتظره إلى أن يخرج، تقترح أن تشتري له ملابس جديدة، يرفض فتقول له إن ذلك مجرد دين، يقول إنه لن يستدين أبدا في حياته… وترافقه إلى أخته التي يراها ولا يتعرف عليها، يسألها عن أسماء، حين يتعرف عليها يستعيد طبعه ويغضب على لباسها فيخرج له المحامي العملاق، يسلمه نقوده المتبقية من صفقة بيع الدكاكين ويعُد إلى ثلاثة إن لم يغادر سيرميه من النافذة، فالزكال لا يفهم إلا لغة القوة.
بينما جواد مصدوم متردد تجده زاهرة مثيرا وتتعامل معه بتلك الطريقة التي تمناها دائما، حنونة وحاضرة، تقترح عليه الاحتفال بالفالانتينو في الصويرة، يتردد فتشجعه ولديه النقود…
المدير إدريس يسدد على اللوح في المكتب. تزوره زهيرة وجواد، يخبرانه أنهما سيعاودان الدراسة بعد العودة من عيد الفالانتينو، تسمع السكرتيرة الناضجة خبر عيد الحب فتبتسم. تسجل التاريخ في مذكرتها.
يقول المدير إدريس لجواد لم تتعلم من السجن، أنا تعلمت منه.
بعد يومين رومانسية في الصويرة حيث يمارسان الحب لأول مرة تلعب زاهرة الكولفازور حافية… تطلب من جواد أن يتزوجها لأن والدها قد جلب امرأة أخرى للبيت… رفض واعتبر أنها تسخر منه، لأنه سبق أن طلبها فرفضت، أجابت أنه الآن صار رجلا… يغضب من الشتيمة فيندلع بينهما خصام وشتائم مريرة تشرحهما معا. كيف؟
كل واحد ينتقد وضعيته دون أن يفعل شيئا لتغييرها. بل يتهور ويزيدها سوءا…
يسألها: لماذا نتخاصم ولا نفترق؟ تجيب: لأننا نتشابه.
عندما رغبت زاهرة كان جواد قد تحطم… يعودان إلى آكادير، تنزله زاهرة أمام المحل الذي اشتراه وتمضي بسيارتها…
يوم عيد الحب، وبالتوازي مع لقطة زاهرة تلعب حافية وتتدلل، نرى المدير إدريس في بيته يسدد في غرفة نومه، يسمع طرقا على الباب، جاءت السكرتيرة إلى بيته، جلست على السرير في غرفة نومه، كان يسدد على لوحه لرامبرانت فيها شابة عارية وليس على الأنثى الطازجة التي جاءت إليه ليأكلها، انتظرت طويلا، ثم خاب أملها، نهضت وفي الباب استدارت نحو المدير لآخر مرة والدمعة تنزل الكحل على خدها، حينها غير وجهته وبدأ يسدد على صورة تشي غيفارا الموضوعة فوق المكتب…
الحب أهم من كل الأيديولوجيات
نرى جواد في دكانه الصغير يرتب فراشا وأكلا… أتم جواد كل نقوده، صار مفلسا، يسكن المحل الذي أرغمته أسماء على شرائه… جلس في باب المحل وحيدا يتيما… تعرف جواد على بائع جوال يبيع سفنا خشبية صغيرة، يسكنان معا، يقرر جواد أن يصبح بائعا جوالا، يأخذ سلعا بالجملة من تاجر كبير ويحاول بيعها بالتقسيط…
يكتشف جواد أنه خشن بينما يجب أن يكون التاجر مرنا… جواد خشن في سلوكه، حينها يراجع نفسه، حتى المرحومة أمه لم يعاملها قط بود، لا يعرف كيف يتواضع وليس لديه ذكاء عاطفي، لذا لا يبيع سلعته… يتجول كأنه تائه، يتلصص كبائع على شاب يشرح لامرأة قدراته على السباحة في عمق ألف متر…
في كل جولة يتعلم من جديد…لكن بعد فوات الأوان، يعرض سلعته على سائقي السيارات… ينزل الزجاج ويجد نفسه وجها لوجه مع أخته التوأم…
هذا جزء من المعالجة دون نهاية حفاظا على السيناريو من الاحتراق.
أعتقد أنه يصعب كتابة سيناريو وتقطيع دون وجود معالجة تسرد الأحداث دون حوار.