سيدة الجنة... دراما نمطية لتاريخ مختلف عليه مشروع الفيلم: بين ياسر الحبيب ومعارضيه قصة الفيلم: سيرة الزهراء من منظور شيعي رؤية نمطية لتاريخ جدلي
في العاشر من ديسمبر الماضي، بدأ عرض فيلم سيدة الجنةThe Lady of Heaven، علىشاشات العرض السينمائية في الولايات المتحدة الأمريكية.
الفيلم الذي أشرف على كتابته، رجل الدين الشيعي المتطرف ياسر الحبيب،يحكي سيرة السيدة فاطمة الزهراء ابنة النبي محمد، من خلال مجموعة من الرواياتالمعتبرة في المذهب الشيعي الإمامي، الأمر الذي يتعارض بشكل واضح مع السرديةالتاريخية التقليدية الشائعة في الأوساط السنية.
على الرغم من صعوبة عرضه بشكل رسمي في قاعات السينما في الدول العربية، فإنانتشار نسخة الفيلم على بعض المواقع الإلكترونية، قد أحدث نوعاً من أنواع الجدلالمذهبي السني- الشيعي، الأمر الذي قد يزيد في الفترة القادمة.
ياسر الحبيب هو رجل دين شيعي اعتاد أن يثير الكثير من الجدل في الأعوامالماضية. ولد في الكويت عام 1979م، وتدرج في المدارس والمعاهد التعليمية النظامية،كما تلقى العلوم الدينية الشيعية في مدينة قم الإيرانية.
بعد عودته إلى الكويت، عُرف الحبيب بإثارته للتعصب المذهبي، وأدى ذلك إلىإثارة حالة من الغضب والسخط ضده، الأمر الذي حدا بالحكومة الكويتية للقبض عليه،لتصدر بحقه بعض الأحكام القضائية التي قضت بسجنه نحو عشرين عاماً. بعد عدةأشهر من السجن، تم الإفراج عنه في ظروف غامضة، فسافر إلى إنجلترا وأسس هناك"هيئة خدام المهدي"، التي ركزت أنشطتها في الدعوة إلى المذهب الشيعيالإمامي، وأعلن في 2016 عن مشروع إنتاج الفيلم المثير للجدل.
بحسب المعلومات المتوافرة عن الفيلم، فإن الشيخ ياسر الحبيب هو الذي أشرفبنفسه على إعداد السيناريو والحوار، فيما قام إيلي كينج بإخراجه، في الوقت الذيشارك فيه عدد كبير من الممثلين من إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية.
الفيلم الذي امتدت أحداثه على مدار ساعتين وواحد وعشرين دقيقة، بلغتميزانيته خمسة عشر مليون دولار اميركي، وهو المبلغ الذي تم جمعه من حصيلة التبرعاتالشيعية التي نظمتها قناة فدك الفضائية -التابعة لياسر الحبيب- بدءاً من 2016،واستمرت لما يقرب من أربع سنوات كاملة.
الاعتراضات على الفيلم بدأت منذ فترة مبكرة، إذ وجهت له الانتقادات بسببموضوعه المثير للجدل، فأعلن الكثير من السياسيين ورجال الدين معارضتهم لمشروع إنتاجه،وعدّوه مؤامرة غربية تستهدف النيل من المسلمين، وأن هدفه الرئيس هو إثارة الفتنوالأحقاد بين المذاهب المختلفة، على سبيل المثال، أشار أمين المجلس الأعلى للأمنالقومي الإيراني الأسبق، علي شمخاني، إلى الخطورة البالغة التي يمثلها الفيلم، فقال: "تعتمدالسياسات الغربية، والعبرية، والعربية على استراتيجية التقسيم، حيث تقوم مرةبإنشاء داعش الإرهابي، ومرة أخرى بإنتاج عمل سيدة الجنة". في السياقنفسه، أفتى آية الله الشيخجعفر السبحاني بحرمة التبرع لإنتاج هذا الفيلم، فقال: "...إن إنتاج هكذا فيلملا يحقق إلا مطالب الأعداء، وهو بعيد كل البعد عن العقل والتقوى، وعلى هذا فإن انتاجهحرام وأي مساعدة مالية له، تعاون على الإثم".
تعتمد الحبكة الرئيسة للفيلم، على التنقل بين قصتين متوازيتين، القصةالأولى، حاضرة، معاصرة، تدور أحداثها في العراق، أما الثانية، فهي قديمة، مر عليهاما يزيد عن الألف وأربعمائة عام، ونُسجت خيوطها في شبه الجزيرة العربية.
تبدأ الأحداث مع وقائع اجتياح قوات داعش لمدينة الموصل العراقية في 2014،وما أعقب ذلك من تأسيس دولة الخلافة الجديدة على مساحات واسعة من أراضي سورياوالعراق. بالتزامن مع عرض لقطات سريعة لبعض الجرائم البشعةالتي مارستها قوات داعش في تلك الفترة، يتم تسليط الضوء على قصة الأرملة فاطمةالتي اقتحمت عناصر داعش منزلها وقتلتها أمام عيني ابنها ليث، قبل أن تشتبك معهمقوات الحشد الشعبي، ليجد ليث نفسه بعدها وهو يعيش في بغداد مع رائد، الجنديالعراقي الذي أنقذه، وأمه، وفي محاولة لطمأنة الطفل اليتيم، وتطييب خاطره، تبدأ أمرائد في حكاية قصة السيدة فاطمة الزهراء لليث.
اختار الفيلم أن يبتعد عن الجدل المُتعلق بتحديد سنة ميلاد الزهراء، فبدأبحادثة هجرتها إلى يثرب بصحبة ابن عمها وزوجها المستقبلي علي بن أبي طالب. بعدهاركز السيناريو على استعراض ما ورد في صحيفة المدينة، والتي حملت تفاصيل الاتفاق المنعقدبين الرسول وقبائل يثرب واليهود، الأمر الذي يمكن تفسيره بكون الفيلم موجهاًللمشاهد الغربي بالمقام الأول.
زواج علي من فاطمة سيحظى بالكثير من الاهتمام، وكيف أنها -أي فاطمة- قدطلبت من أبيها أن يكون مهرها هو أن يشفع للخطأة ليدخلوا الجنة، وهي إضافة درامية. أما المواجهةالحربية الأولى التي سيُسلط عليها الضوء، فهي معركة أحد التي جرت وقائعها في السنةالثالثة من الهجرة، وسيتم التركيز فيها على بعض الأحداث المهمة التي تحظى بقداسةكبيرة في المِخيال الشيعي، ومنها على سبيل المثال، قتل حمزة بن عبد المطلب، والدورالبطولي الذي لعبه علي بن أبي طالب في المعركة، ودفاعه المستميت عن النبي، ولاسيما بعد أن كُسر سيفه، ليعطيه الرسول سيف ذي الفقار المشهور الذي نزل به الملاكجبريل من السماء. في سياق آخر، أبرز الفيلم هروب عمر بن الخطاب من أرض المعركة،ومخالفته لأمر النبي، ووحشية هند بنت عتبة أثناء تمثيلها بجثمان حمزة.
بعد ذلك تناول الفيلم حادثة الكساء، عندما قام النبي بجمع ابنته وزوجهاوحفيديه، وغطاهم بكساء واحد، ودعا لهم، وهي الحادثة التي تحظى بأهمية بالغة في المِخيالالشيعي الجمعي، وذلك لارتباطها بمفاهيم عصمة آل البيت وطهارتهم المطلقة. في السياقنفسه، تناول الفيلم حادثة غدير خم، والتي يحتفل بها الشيعة الإمامية سنوياً فيالثامن عشر من ذي الحجة، ويعدّونها المناسبة التي قام فيها النبي بتنصيب علي بنأبي طالب كإمام وخليفة للمسلمين من بعده.
في الجزء الأخير من الفيلم، تناولت الأحداث المحاولات التي قام بهاالمنافقون لاغتيال الرسول في العقبة التبوكية في العام التاسع من الهجرة، ودس السمله على يد بعض أزواجه، ووفاته وانشغال علي بغسله وتكفينه، في الوقت الذي تمكن فيهأبي بكر الصديق من اقناع المسلمين باختياره كخليفة في سقيفة بني ساعدة.
في السياق نفسه، ركزت الأحداث على التفاصيل التي أعقبت استخلاف أبي بكر،إذ استعرضت ثبات الأركان الأربعة -عمار بن ياسر والمقداد بن عمرو وأبي ذر الغفاريوسلمان الفارسي- مع علي، واعترافهم بحقه في تولي الخلافة، واعتزال ابن عم الرسولللناس، ومكوثه في بيته، وتفرغه لجمع المصحف وشروحاته وتفسيراته، وذلك بحسب وصيةالرسول، وكيف أنه لما عرض المصحف على المسلمين فإنهم قد رفضوه وأعرضوا عنه.
تصل الأحداث إلى ذروتها مع مشهد اقتحام منزل فاطمة، وإضرام النيران فيه،وكيف تم ضربها وكسر ضلعها واسقاط حملها، وإجبار علي على المبايعة بعد ربطه بالحبالواقتياده إلى مجلس أبي بكر، وكيف حملت الزهراء قميصها الملطخ بالدماء وهددت أبيبكر وأنصاره بالعقاب الإلهي الذي ينتظرهم، ليندلع البرق في السماء، ويخاف الناس،قبل أن يطلب منها علي أن تكف عن الدعاء حتى لا تدمر المدينة.
بعدها يتطرق الفيلم لاستيلاء الخليفة على أرض فدك، وهي قطعة الأرض التيكانت فاطمة تراها إرثاً وحقاً لها من أبيها، وكيف أنها قد انقطعت في البيت المعروفببيت الأحزان، وهو المكان الذي كانت تداوم على البكاء فيه حزناً على فراق أبيهاوظلم قومها لها ولأسرتها، حتى إذا ما اقتربت لحظة موتها، فإنها قد أوصت زوجها أنيخفي مكان دفنها، ثم ماتت بعدها بسلام، لتنتهي القصة التي ترويها أم رائد، ونعود مرةأخرى إلى الحاضر، لنرى ليثاً وقد تأثر بما سمعه من سيرة الزهراء، وكيف أنه قد تمكنمن منع أحد أصدقائه القدامى من تفجير نفسه بحزام ناسف في أحد المساجد الشيعية.
رغم أن اختيار شخصية السيدة فاطمة الزهراء تحديداً لتكون المحور الذيدارت حوله أحداث الفيلم، يمكن تبريره -بالمقام الأول- بكون الزهراء هي إحدى أهمالشخصيات المقدسة في الذاكرة الشيعية الإمامية الجمعية، خصوصاً أنها أحد المعصومينالأربعة عشر عند الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، فإنه يمكن القول إن اختيار تلكالشخصية كان له فائدة إضافية، ألا وهي السماح بتناول الفترة المبكرة في تاريخالجدل المذهبي في الإسلام، ولا سيما في الشهور الأولى التي أعقبت وفاة الرسول، وماتزامن مع تلك الفترة من خلافات بين الصحابة وآل البيت حول مسألتي السلطة والخلافة.
المراجعة السريعة لتقييمات الفيلم على بعض المواقع العالمية المختصةبالسينما، من شأنها أن تؤكد على نجاح الفيلم في حصد إعجاب الكثير من المشاهدين.على سبيل المثال، حقق الفيلم درجة 8.3 فيقاعدة بيانات الأفلام على الإنترنت IMDB، أما في موقع "الطماطم الفاسدة"، فقد حقق العمل نسبة 75%.
من الممكن أن نتأكد من هشاشة تلك التقييمات المرتفعة، إذا ما لاحظنا ضعفالإقبال على حضور الفيلم في قاعات السينما من جهة، وإذا ما التفتنا للشعبيةالجارفة التي حققها الفيلم بين الشيعة -ولا سيما في الأوساط المتطرفة منهم- الأمرالذي من شأنه أن يؤكد على أن ارتفاع التقييمات غير مرتبط بجودته الفنية، وأن تلكالتقييمات ليست أكثر من مجرد صدى طبيعي لحماسة دينية مذهبية من المتوقع أن تقلبمرور الوقت.
في الحقيقة يمكن القول إن صناع الفيلم قد مالوا لتقديم رؤية دينية دوغمائية-بعيدة عن أي تناول موضوعي- لفترة تاريخية جدلية مختلف عليها، الأمر الذي أوقعهمفي فخ التنميط الكامل للشخصيات التاريخية، والتغافل عن ذكر أي مبررات موضوعيةلتفسير تصرفاتهم وأفعالهم.
على سبيل المثال، وعلى الرغم من تأكيد صناع العمل على أن وجهي النبي وعليبن أبي طالب قد ظهرا من خلال بعض التقنيات الرسومية الحديثة، فسنجد أنه قد تمتقديم الشخصيات المقدسة في المِخيال الشيعي -النبي وعلي وحمزة والحسن والحسينوسلمان الفارسي- بشكل ملائكي، تشهد عليه بشراتهم البيضاء الصافية، ووجوههم السمحة،ولحاهم المهذبة. على النقيض التام من ذلك، ظهرت الشخصيات المكروهة في المِخيالالشيعي -أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب والسيدة عائشة وهند بنت عتبة- في هيئةشيطانية منفرة، تدل عليها بشراتهم السمراء القاتمة، ووجوههم العابسة، وأسنانهمالصفراء، فضلاً عن نظراتهم التي تنطق بالكراهية والبغض.
في السياق نفسه، عمل صناع الفيلم على التأكيد على مركزية الإمامة وربطهابالنبوة في الكثير من المشاهد، ومنها حادثتي الغدير والكساء على سبيل المثال، وفيالوقت ذاته، روجوا لوجهة النظر الشيعية التقليدية التي تؤكد على أن القسم الأكبرمن الصحابة قد خالفوا الرسول، وأنهم قد اجتمعوا على بغض علي بن أبي طالب، دون أنيقدم الفيلم سبباً واضحاً يفسر سبب تلك الحالة.
بالمجمل، لم يقدم الفيلم إضافة فنية حقيقية فيما يخص الأعمال التاريخيةالتي تناولت حقبة الإسلام المبكر، إذ جاءت معالجته قريبة الشبه من الكثير منالمعالجات السابقة، وإن اختلفت معها جميعاً في نقطة واحدة فحسب، ألا وهي أنه قدقدم تاريخ تلك الحقبة من خلال وجهة نظر شيعية بحتة.
فاطمة الزهراء في المخيالين السنّي والشيعي
صلاة مختلطة تقودها امرأة… “مشروع مسجد فاطمة” يرحب بالجميع
كعب أخيل وشعر شمشون ووجه فاطمة...معجزات الجسد وأسراره
الأكثر قراءة
دعونا نتعرف
سجل في الفيسبوكسجل مع جوجلأوأنت توافق على تلقي رسائلنا الإخبارية وعروضنا. يمكنك الغاء الاشتراك في اي وقت.*
بإنشاء هذا الحساب ، فأنت تقر بقراءةشروط الخدمة وسياسة الخصوصية وأنت تقبلهم.
تسجلهل لديك حساب؟ تسجيل الدخول