مؤشرات التخلف والنهوض الحضاري في المجتمع العربي والإسلامي المعاصر: دراسة مقارنة ببعض الدول المتقدمة - CAUS - مركز دراسات الوحدة العربية
ملخص:
يهدف هذا البحث إلى بيان وضع المجتمع العربي والإسلامي المعاصر من حيث جوانب التخلف والنهوض الحضاري باستخدام مؤشرات معتمدة عالميًا تشمل مؤشرات اقتصادية، اجتماعية، سياسية، تقنية، ومقارنتها ببعض الدول المتقدمة بوصفها معيارًا لمعرفة الوضع الراهن.
تم اختيار نماذج من الدول العربية والإسلامية لدراسة أوضاعها وبيان حالاتها. هذه الدول هي السعودية، مصر، المغرب، العراق، ليبيا، تركيا، ماليزيا، وإيران، وتمت مقارنتها ببعض الدول الصناعية المحسوبة على الدول المُتقدمة مثل الصين، اليابان، فرنسا، ألمانيا، وإيطاليا، وذلك للفترة الممتدة من 2010 حتى 2018. ولعرض بيانات المؤشرات، تمّ استخدام أدوات التحليل الوصفي مثل الجداول والرسومات البيانية من أجل سهولة بيان أوضاع هذه الدول، ومقارنتها، ومعرفة مدى التقدّم أو التراجع في كل مؤشر من المؤشرات.
وخلص البحث إلى أن الوضع الراهن للدول العربية والإسلامية في حالة تراجع وضعف في أغلب المؤشرات، على الرغم من أن هذه الدول تمتلك عوامل الحركة والنهوض ومقوماتهما- باستثناء دولتيّ تركيا وماليزيا اللتين حققتا تقدمًا ملحوظًا في بعض المؤشرات، وذلك لانتهاجهما سياسات أكثر فاعلية في تحقيق الاكتفاء الذاتي في أغلب المجالات.
وأبرز ما يوصي به البحث ضرورة التنسيق والتكامل بين الدول العربية والإسلامية، وتوحيد القرار السياسي، وإنشاء أسواق اقتصادية مشتركة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاكتفاء الذاتي، والاتجاه نحو الوحدة وحماية الأمن القومي العربي الإسلامي.
الكلمات المفتاحية: مؤشرات النهوض الحضاري، النهوض الحضاري، التخلف الحضاري.
مقدمة:
ظهر الاهتمام بدراسة قضايا التخلف والنهوض الحضاري في المجتمع العربي والإسلامي منذ نهاية القرن التاسع عشر، وأصبحت هذه القضايا محلّ اهتمامٍ كبيرٍ لدى نخبة من المفكرين العرب والمسلمين المعاصرين، الذين قدّموا العديد من الدراسات والأبحاث والطروحات التي تدور حول إيجاد المقترحات والحلول لمعالجة التراجع والركود والأزمات ذات الأبعاد الحضارية المختلفة التي يمرّ بها المجتمع العربي والإسلامي.
باستخدام منهج وصفي ـــــ تحليلي ـــــ نقدي مقارن، يحاول هذا البحث أن يقف على جُملة من العوامل والمكوّنات المادية للتقدّم والنهوض الحضاري في المجتمع العربي والإسلامي المعاصر مقارنةً ببعض دول العالم المُتقدمة في العصر الحاضر- عصر تربع الدول الكبرى من الغرب والشرق على عرش الحضارة العالمية المعاصرة؛ وفي الوقت نفسه باعتبار تلك المكونات المادّية هي نفسها قد تُمثل عوائق للنهوض وسببًا في التخلف الحضاري المعاصر، وفق مقاييس ومؤشرات اعتمد عليها البحث العلمي المعاصر لتقييم حالة التقدم والتخلّف في المجتمعات المعاصرة.
وقد اقتصر البحث هنا على حصر مؤشرات التقدم والتخلف في المجتمع العربي والإسلامي وعرضها مقارنةً ببعض الدول المتقدمة بوصفها معيارًا لمعرفة وضعنا الراهن تاركين المؤشرات المعنوية الأخرى لدراسات لاحقة.
أولًا: مشكلة البحث
نظرًا للواقع المرير الذي يمر به المجتمع العربي والإسلامي والتراجع والتخلف والركود الذي شمل جميع المستويات، فقد تعددت وجهات نظر المفكرين والمثقفين العرب والمسلمين المعاصرين المُهتمين بدراسة قضايا التخلف والتقدم حول آليات وعوامل النهوض الحضاري. يحاول البحث أن يقف على جُملة من العوامل والمقومات المادّية للتقدم والنهوض الحضاري وفق مقاييس ومؤشرات معتمدة عالميًا في قياس التقدم والتخلف؛ كونها تعتمد على نسب وأرقام محددة. وتكمن مشكلة البحث في الإجابة عن التساؤلات الآتية:
1- ماهي العوامل المادّية للتقدم والنهوض الحضاري ومؤشراتها؟
2- ما هو واقع المجتمع العربي والإسلامي من حيث العوامل المادّية للتقدم والنهوض الحضاري حسب المؤشرات العالمية مقارنة ببعض الدول المتقدمة؟
ثانيًا: أهمية البحث
تبرز أهمية البحث من خلال الآتي:
1- يُناقش قضية من أهم القضايا التي شغلت الفكر الإنساني المعاصر وهي تأخر المجتمعات العربية والإسلامية وتقدّم غيرها.
2- الحاجة إلى دراسة واقع المجتمع العربي والإسلامي وفق مؤشرات معتمدة عالميًا لبيان حالات التخلف والنهوض ومقارنتها ببعض الدول المتقدمة لمعرفة الفجوة الحاصلة بين الطرفين في بعض الجوانب المادّية.
3- حاجة المجتمع العربي والإسلامي المعاصر إلى تشخيص واقعه الحضاري، ومعرفة أسباب التخلف، وبيان أثرها، وكذلك التعرف على عوامل النهوض الحضاري ومقوماته.
ثالثًا: أهداف البحث
يهدف البحث إلى تحقيق الأهداف الآتية:
1- عرض مؤشرات قياس حالات التقدم والتخلف في المجتمع العربي والإسلامي مقارنة ببعض الدول المتقدمة بوصفها معيارًا لمعرفة وضعنا الراهن.
2- دراسة حالة بعض الدول العربية والإسلامية المعاصرة من حيث التقدّم والتخلّف خلال الفترة الممتدة من 2010 حتى 2018، ومقارنتها ببعض الدول الصناعية المصنفة على أنها من الدول المتقدمة.
3- بيان أبرز أسباب تراجع الدول العربية والإسلامية المعاصرة وضعفها في أغلب المؤشرات رغم امتلاكها إمكانية النهوض وتوافر عوامله المادية.
4- تقديم بعض المقترحات.
رابعًا: حدود البحث
الحدود الموضوعية: بيان حالات التخلف والنهوض الحضاري باستخدام مؤشرات معتمدة عالميًا تشمل المؤشرات المادّية (الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية، التقنية). وتم استبعاد المؤشرات المعنوية (الفكرية والقيمية والدينية).
الحدود المكانية والزمانية: تم اختيار بعض الدول العربية والإسلامية أنموذجًا للبحث والدراسة، وتمثلت هذه الدول بــالسعودية، مصر، المغرب، العراق، ليبيا، تركيا، ماليزيا، إيران، ومقارنتها ببعض الدول الصناعية المُتقدمة مثل الصين، اليابان، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا. وذلك خلال الفترة الممتدة بين 2010 حتى 2018.
خامسًا: مصطلحات البحث
1- التخلّف:
أ- التخلّف لغًة:
جاء في معجم مقاييس اللغة ولسان العرب: “الخلف ضد قدام، وخلفه يخلفه صار خلفه، وخلّفه وأخلفه جعله خلفه، وجلست خلف فلان أي بعده، والتخلف: التأخر. والخلف يجيء بمعنى التخلف عمن تقدم”[1].
ب- التخلّف اصطلاحًا:
جاء في معجم العلوم الاجتماعية أنّ التخلّف هو: “ارتفاع نسبة الوفيات، وانخفاض متوسط العمر للفرد، وسوء التغذية وارتفاع نسبة الأمية، وتفوق المشتغلين بالزراعة بنسبة كبيرة عن عدد المشتغلين بالصناعة وانخفاض نسبة تشغيل الأيدي العاملة وانحطاط المستوى الاجتماعي للمرأة، وعدم وجود طبقة وسطى لها وزنها الاقتصادي في المجتمع، والخضوع لنظام حُكم أوتوقراطي تعسفي”[2].
ويميل البعض إلى تعريف التخلّف من الجانب الاقتصادي بأنه “اصطلاح يوصف به كثير من الدول التي يكشف تطورها على مدار الزمن عن ركود، أو تدهور اقتصادي، من مظاهره: ندرة رأس المال، انخفاض الأهمية النسبية لقطاع الصناعة، ضآلة دخل الفرد في المتوسط؛ مما تنعكس آثاره على انخفاض مستوى المعيشة”[3].
ونُعرّف التخلّف بأنه “التأخر والتراجع في شتى مجالات وجوانب الحياة (العلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتقنية)، وله آثارٌ بارزة تظهر في المجتمع منها: الجهل والفقر والبطالة، وانتشار الفساد، وتدهور أوضاع المجتمع الاقتصادية، واهمال قدرات الموارد البشرية وتعطيلها”.
وبناءً على ما سبق فإن مشكلة التخلّف هي مشكلة حضارة. وهذا ما أشار إليه المفكر مالك بن نبي بقوله: “إن المشاكل العديدة التي تطلق على مجموعها مصطلح التخلف، هي في الواقع تعبيرات مختلفة عن مشكلة واحدة ومفردة تواجه كل بلاد متخلفة، أي أنها مشكلة حضارة”[4]. وتقدّم أي مجتمع في تصور مالك بن نبي مرتبط بفهم العوامل التي تبني الحضارة أو تهدمها[5].
2- النهوض:
أ- النهوض لغًة:
جاء في المعجم الوسيط أن النهو “بمعنى الوثبة في سبيل التقدم الاجتماعي أو غيره، ويقال: نهض من مكانه إلى كذا، ونهض إلى العدو: أسرع إلى ملاقاته، والنّهاض: الدؤوب على أن يسلك سبيل التقدم والكثير النهوض”[6].
ب- النهوض اصطلاحاً:
النهوض هو “عمل وفكر جماعي، فلا يمكن لأي إنسان مهما بلغ من قدرات أن يقوم بنهضة بمفرده، بل إن الفكر النهضوي وكل الأفكار العظيمة هي أفكار تتناقل وتنضج من جيل إلى جيل، لكي تستطيع أن تصنع التغير المرجو”[7].
وللنهوض معنيان، أحدهما: “تجدّد الأمة في مجموع أحوالها بعامل أو عوامل استفزتها وتغلبت على العوامل الأخرى”، أمّا المعنى الآخر فهو “الانتباه لوجوب إحداث التغير والشعور بابتداء وقوع ذلك التغير”[8].
والنهوض الحضاري يعني “ثمرة تفاعل أبناء الأمة مع واقعهم، وسعيهم لتطوير هذا الواقع، بلوغاً لأهداف قاموا ببلورتها، ووضعوا تحقيقها نصب أعينهم، وهذه البلورة تتم من خلال مسيرة جهاد ونضال، وكفاح، وتشهد حواراً متصلاً في المجتمع بين مختلف تياراته الفكرية وشرائحه الاجتماعية، وتتعلق هذه الأهداف بحياة الناس، وأحلامهم في ضوء ما يعيشونه، ويعانونه، ويأملونه”[9].
ويرى جاسم سلطان أن “النهوض الحضاري عبارة عن حركة فكرية عامة منتشرة في أغلب بلدان العالم العربي والإسلامي تتقدم باستمرار في فضاء القرن وتطرح الجديد دون قطيعة مع التراث، وتعمل في كل الميادين الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية”[10].
وبناءً على ما سبق يُمكن تعريف النهوض الحضاري بأنه: “الوقوف على أسباب التخلف وإيجاد الحلول الملائمة لها، والعمل على بناء مشروع شامل ينطلق من رؤية موحدة وأهداف مشتركة لتحقيق التنمية المستدامة والاكتفاء الذاتي في كافة المجالات، والاتجاه نحو التقارب والحوار بين مختلف التيارات الفكرية في المجتمع والسعي نحو مواكبة العصر ومتطلباته ومقتضياته وما وصل إليه من تقدم وتطور دون القطيعة مع التراث”.
3- المجتمع العربي والإسلامي:
هو “تآلف معقد يشمل بين مقوماته الأساسية الأفراد والجماعات والوطن… البيئة والسُكان والتنظيم الاجتماعي والمؤسسات والبُنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية بمختلف تفرعاتها واتجاهاتها، متفاعلة فيما بينها ومع المجتمعات الأخرى عبر التاريخ”[11].
سادساً: مدخل
تعددت مؤشرات التخلف والنهوض الحضاري ومقاييسهما التي اعتمد عليها الباحثون والمُتخصصون في المجال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والتقني، نظرًا لاختلاف تصوراتهم للتخلف والنهوض. وبإمكاننا هنا طرح أهم المؤشرات المعتمدة عالميًا من قِبل الأمم المتحدة ومنظمات أخرى مُعترف بها دوليًا، وتشمل مؤشرات اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، وتقنية، مع بيان المعايير المُنبثقة من هذه المؤشرات ومقارنتها ببعض الدول المتقدمة بوصفها معيارًا لمعرفة الوضع الحالي للمجتمع العربي والإسلامي.
مُبررات اختيار الدول المدروسة والمقارنة:
تم اختيار بعض الدول العربية والإسلامية وبعض الدول الصناعية المُتقدمة؛ لأنها تمتلك بعض الصفات والخصائص المشتركة في المقومات (سواء في مواردها الطبيعية أو في موقعها الجغرافي أو التاريخي وغير ذلك) وبإمكاننا إيجاز تلك المُبررات بالآتي:
سابعاً: المبحث الأول: المؤشرات الاقتصادية لدول البحث والمقارنة
أولاً: مؤشر الناتج المحلي الإجمالي[12]
جدول (1-1) يُبيّن مؤشر الناتج المحلي في مجموعة الدول العربية والإسلامية والدول الصناعية للفترة (2010-2018م).
ومن الجدول (1-1) والرسم البياني المُلحق به نلاحظ انخفاض الناتج المحلي في أغلب الدول العربية والإسلامية باستثناء دولة تركيا؛ حيث نجد ارتفاعًا ملحوظًا في ناتجها المحلي خلال الفترة (2010م – 2018م)، بينما لوحظ ارتفاعًا كبيرًا في الناتج المحلي لمجموعة الدول الصناعية. وهنا تظهر مدى الفجوة بينها وبين الدول العربية والإسلامية.
ثانيًا: مؤشر دخل الفرد سنويًا[13]
جدول (2-1) يُبيّن مؤشر دخل الفرد في مجموعة الدول العربية والإسلامية والدول الصناعية للفترة (2010-2018م).
ومن الجدول (2-1) والرسم البياني المُلحق به نلاحظ انخفاض دخل الفرد السنوي في الدول العربية والإسلامية باستثناء تركيا والسعودية، بينما في مجموعة الدول الصناعية لوحظ ارتفاعًا كبيرًا لدخل الفرد السنوي باستثناء الصين كون عدد سكانها يتجاوز المليار والثلث مليار نسمة أيّ ما يُعادلسُكان العالم بأسره.
ثالثًا: مؤشر حجم الصادرات[14]
جدول (3-1) يُبيّن مؤشر الصادرات في مجموعة الدول العربية والإسلامية والدول الصناعية للفترة (2010-2018م).
ومن الجدول (3-1) والرسم البياني المُلحق به نلاحظ تراجع حجم الصادرات في الدول العربية والإسلامية باستثناء تركيا التي شهدت ارتفاعًا في حجم صادراتها عمّا كانت عليه في السنوات السابقة، والجدير بالذكر أن الانخفاض الشديد في حجم الصادرات لدولة إيران يرجع إلى العقوبات الاقتصادية التي تمّ فرضها من قِبل أمريكا على صادراتها النفطية. بينما لوحظ أيضًا تراجعٌ في حجم الصادرات لمجموعة الدول الصناعية عما كانت عليه في السنوات السابقة، لكنها لا تزال في الصدارة في قائمة مجموعة البلدان العربية والإسلامية موضوع البحث.
رابعًا: مؤشر حجم الواردات[15]
جدول (4-1) يُبيّن مؤشر الواردات في مجموعة الدول العربية والإسلامية والدول الصناعية للفترة (2010-2018م).
ومن الجدول (4-1) والرسم البياني المُلحق به نلاحظ انخفاضًا ملحوظًا في حجم الواردات لدولة تركيا التي اعتمدت على نفسها مؤخرًا في مجال التصنيع وتحقيق الاكتفاء الذاتي في أغلب المجالات. بينما لوحظ انخفاضٌ في حجم الواردات لمجموعة الدول الصناعية عمّا كانت عليه في السنوات السابقة، وهذا يدلّ على أن هذه الدول تعتمد في سياساتها الاقتصادية على تحقيق الاكتفاء الذاتي في أغلب المجالات باستثناء بعض الواردات كالنفط والغاز.