د. رضا عبدالسلام الاعتمادات المستندية .. لا تستهدف "تعويم" الجنيه
حاورت "الجمهورية أون لاين" الدكتور رضا عبدالسلام الخبير الاقتصادي ومحافظ الشرقية الأسبق الذي أكد أن العمل بنظام "الاعتمادات المستندية" هو بمثابة قرار الضرورة الاقتصادية الذي يعلي المصلحة العامة و يسعي لفلترة الاستيراد وترشيده عبر الاكتفاء بالضروريات والسلع الأساسية فقط.. وهو ما يحسن وضع الجنيه ويوفر له الحماية بتقليل الطلب على الدولار ويخلق استقراراً في سوق المال، ويشجع التصنيع المحلي ويضمن الرقابة على جودة السلع المستوردة ومنع تسرب المنتجات الرديئة إلي البلاد وحماية المواطن من الغش.
قال ان تحفظات البعض منطقية ولها وجاهتها لكنها مجرد مخاوف من خطر محتمل وليس فعلياً ويجب الاستماع إليها وإزالة أسبابها، وتحقيق أقصي درجات الجاهزية والكفاءة والسرعة في تنفيذ الطلبات الجادة المستوفية للشروط ووضع حلول عاجلة لأي مشكلات تعوق تنفيذ القرار على أرض الواقع وتلبية احتياجات المستوردين وعدم الإضرار بصغار المستوردين أو السماح بارتفاع الأسعار أو فتح المجال أمام السوق السوداء للدولار والنقد الأجنبي ..وإلي نص الحوار:
* كيف تري قرار المركزي بإلغاء "مستندات التحصيل" في الاستيراد والعمل بـ "الاعتمادات المستندية"؟- حين أَضع نفسي مكان البنك المركزي وأقرأ المشهد عالمياً ومحلياً أجدني مضطراً لاتخاذ مثل هذا القرار حفاظاً على "الجنيه" لأن عيني في النهاية على المواطن الذي يدفع فاتورة صعود الدولار أمام الجنيه.
لقرار له أبعاد متعددة.. فالدولة تسعي لتنظيم الاستيراد خاصة في ظل الظروف الحالية الضاغطة وارتفاع أسعار الفائدة عالمياً واستمرار موجات التضخم وغلاء السلع نتيجة جائحة كورونا وما سببته من اضطراب سلاسل الإمداد ووجود حالة عدم يقين في وضع السياسات النقدية لبعض الدول وغيرهما من التداعيات السلبية وكثير من المستوردين كانوا يجلبون سلعاً رديئة من الخارج بمستندات مفبركة بأقل من سعرها الحقيقي وهو ما يضيع حقوق الخزانة العامة في الضريبة الجمركية وهذا ما سوف يتوقف مع قيام البنوك بعملية الاستيراد بنفسها.. ذلك أنها ستكون وسيطاً وضامناً للمستورد وليس مجرد ممول للصفقات ويمكنها بالتالي رفض أي طلبات مخالفة من المنبع وتفادي سوءات النظام القديم.
توفير العملات الصعبة اللازمة لجلب مدخلات الإنتاج بأقصيما يمكن حتي لا تتعطل المصانع
* كيف تري تحفظات مجتمع الأعمال والمستوردين على القرار؟!- مخاوف البعض أو تحفظاتهم لها وجاهتها في ظل ما عُرف عن بيروقراطية الجهاز الإداري عبر السنين، لكنها لا تعدو كونها "خطراً محتملاً" وليست "خطراً فعلياً" وتنحصر تلك المخاوف في أمرين أولهما: احتمالات التأخير في إجراءات الاستيراد وثانيهما: ارتفاع التكلفة ومن ثم زيادة الأسعار على المستهلك في النهاية.
ومجتمع رجال الأعمال لديهم اعتقاد شبه جازم ان إجراءات الاعتمادات المستندية سوف تطول ومن ثم سيترتب عليها تأخير "وبالتالي ارتفاع في الكلفة" كما يتخوف بعض صغار المستوردين من عدم قدرتهم على سداد ثمن الشحنات كاملاً قبل الاستيراد وهو ما قد يهددهم بالتوقف خلافا لمستندات التحصيل التي كانت تسمح لهم بسداد جزء من قيمة الصفقة واستكمال باقي ثمنها على دفعات بعد التصرف فيها بالبيع إلا أن البنك المركزي أعلن أنه لا زيادرة في رسوم منظومة الاستيراد الجديدة وأن البنوك لن تطلب اي مستندات أو إجراءات جديدة بل سوف تلتزم بتحصيل نفس الرسوم والعمولات التي كانت تحصلها سابقاً مع نظام "مستندات التحصيل " وهو ما يبعث برسائل طمأنة لمجتمع الأعمال.
استعدادات وتحديات
* هل استعد الجهاز المصرفي لتلبية احتياجات المستوردين دون تأخير؟ - البنك المركزي أعلن استعداد البنوك لتلبية طلبات الاستيراد وفقا للمنظومة الجديدة دون زيادة أي تكلفة أو رسوم على كاهل المستوردين.
واقتصادنا لا يزال يعتمد على الاستيراد بنسبة كبيرة حيث تستورد مصر سنوياً بما يتراوح بين 65 و70 مليار دولار.. ولهذا يجب على البنوك التجارية أن تكون مستعدةللتحديات بكوادر بشرية مؤهلة وسيولة كافية لتلبية عشرات الآلاف من طلبات المستوردين ورجال الأعمال وأصحاب المصانع حتي لا يتعطل الإنتاج وتظل الأمور ميسرة.. وعلى البنك المركزي أن يكون مستعداً لدعمها بالاحتياطي النقدي حتي لا يضطر المستوردون للجوء إلي السوق السوداء للدولار وخلق ضغط على العملات الصعبة نتيجة زيادة الطلب عليها فيرتفع سعرها أمام الجنيه الذي يسعي لتوفير الحماية له.
فلترة الواردات
* وماذا عن ترشيد الواردات؟- أهداف القرار فلترة الواردات من خلال لجان من البنك المركزي والبنوك التجارية ووزارة المالية تحدد وفقا للنظام الجديد ما ينبغي استيراده أو منع دخوله للبلاد مثل السلع الرديئة أو الترفيهية أو التي لها بديل محلي وهو ما نطمح أن يقلل فاتورة الواردات من 70 مليار دولار الي 55 مليارًا، ما يعني تقليل الطلب على الواردات بمقدار 15 ملياراً والحفاظ على استقرار الجنيه وحمايته في هذه الفترة الصعبة التي يعاني فيها الاقتصاد العالمي ارتفاعات في أسعار الفائدة.
حماية المواطنين
* ماذا سيعود على المواطنين من قرار الاعتمادات المستندية؟! - يهدف قرار البنك المركزي للارتقاء بمستوي جودة البضائع الواردة من الخارج وبالتالي حماية صحة وأموال المواطنين من سلع قد تكون مغشوشة يقوم باستيرادها أناس لا يعنيهم إلا تحقيق الأرباح بصرف النظر عن جلب خامات ومنتجات غير صديقة للبيئة بمنطق "على أد فلوسهم" فالقرار يمنع دخول تلك السلع الرديئة إلي البلاد وبالتالي يضمن جودة الواردات فضلاً على حوكمة منظومة التجارة الخارجية لحماية والحفاظ على موارد الدولة السيادية وهناك لجاناً يجري تشكيلها تضم ممثلين وخبراء من البنك المركزي والبنوك التجارية ووزارة المالية والتجارة والصناعة والرقابة على الصادرات لوضع معايير للاستيراد وهل يوجد نظير محلي للمستورد يمكنه تغطية حاجة الأسواق.
تشجيع التصنيع المحلي
* ماذا نفعل لضمان نجاح القرار دون أي تداعيات على المواطن؟! - المواطن لن يتحمل أي زيادة في الأسعار خلال الفترة القادمة وبالتالي فإن البنك المركزي أراد تنظيم هذه المسألة حتي لا تحدث أي اهتزازات في الأسواق وهذا يستدعي تشجيع التصنيع المحلي وإزالة أي معوقات من طريقه والإصغاء لطلبات المصنعين وتقديم كل صور الدعم لهم بتقليل الأعباء والالتزامات حتي يمكنهم توفير البديل المحلي بأقل سعر وبجودة أعلي حتي يكون قادراً على تلبية احتياجات السوق ولا تحدث فجوة بين الإنتاج والاستهلاك تؤدي الي تعطيش الأسواق وارتفاع الأسعار لقلة المعروض وحدوث موجات تفرغ القرار من مضمونة.
تحديات وصعوبات
* البدايات دائماً صعبة.. ولكل قرار تحدياته وصعوباته؟! ** القرار إيجابي ويسعي لتحقيق أهداف جيدة لكن عند التطبيق سوف تواجهه- شأنه شأن أي قرار مفصلي- تحديات وصعوبات ينبغي أن تعمل عليها البنوك عليها بأسرع ما يمكن وتكرس لها الطاقات والقدرات اللازمة لتجاوزها وامتصاص تداعياتها، ولا بد أن تنعم اللجان المزمع تشكيلها للتعامل مع طلبات المستوردين بالكفاءة وإلا سوف يحدث تعطيل للإجراءات وتزيد التكلفة وهو ما ينعكس في النهاية على مستويات الأسعار و معدلات التضخم.
والبنك المركزي صاحب القرار لعملية التنسيق مع جمعيات رجال الأعمال والمستوردين ووزارتي التجارة والصناعة والمالية حتي يمكن تحقيق كل الأهداف التي من أجلها صدر هذا القرار ولابد من الإصغاء لمخاوف المستوردين وتحفظاتهم.. ينبغي أن نستمع لهم ونطمئنهم بأن إجراءات الاعتمادات المستندية سوف يجري إنهاؤها في أقل وقت ممكن للحصول على الموافقة والرد، ونبدد قلقهم من التأخير الذي يساورهم.
منافسة الشركات الأجنبية
* البعض يبدي تخوفه من عدم القدرة علي منافسة الشركات الأجنبية المستثناة من القرار؟- الاستثناء ليس مطلقاً بل مشروط بأن تقوم تلك الشركات وفروعها العاملة في مصر بالاستيراد من الفرع الأم في الخارج أي أن الاستثناء يقتصر على تعاملات الشركات التابعة لشركات أجنبية في نطاق عمليات الاستيراد من الشركة الأم ومجموعاتها فقط، بمعني أنه لو فكرت أي شركة أجنبية أن تستورد من شركة أخري في بلد آخر فإنه لن يسمح لها بذلك وسوف يطبق عليها قرار الاعتمادات المستندية.
أبواب خلفية
* ماذا يمكن أن يحدث لو تم رفض طلبات بعض المستوردين؟ - الرفض معناه أن السلع المطلوب استيرادها لا ينطبق عليها القرار وبالتالي يمتنع دخولها إلي البلاد من المنافذ الرسمية فكل البضائع التي تعبر الحدود الوطنية لا بد أن تخضع للقرار.. وهنا قد ينشأ بعض المحاذير حيث قد يلجأ البعض ممن رُفضت طلباتهم إلي طرق أبواب خلفية واللجوء إلي تهريب البضائع بعيدا عن المنافذ الرسمية وهذا يتطلب يقظة الأجهزة المعنية بمراقبة تلك المنافذ والحدود حتي لا يؤدي التهريب إلي ضياعمستحقات الخزانة العامة وذهابها إلي جيوب اللصوص والفاسدين.
لا زيادة في العمولات
* هل يتم تطبيق عمولات فتح الاعتمادات على العملاء السابق التعامل معهم من خلال مستندات تحصيل خصوصاً أن مستندات التحصيل عمولاتها متدنية جداً مقابل عمولات فتح الاعتمادات المستندية؟!
- البنك المركزي أكد أنه تم توجيه البنوك نحو خفض جميع عمولات الاعتمادات المستندية التي سيجري فتحها بكافة البنوك لعملائها الذين لهم سابقة تعامل للاستيراد من خلال مستندات تحصيل فقط ومن البنك ذاته لتكون بذات نسبة عمولة مستندات التحصيل التي كان يتم احتسابها لعملاء البنك.
ليس تعويماً جديداً
* يزعم البعض أن ذلك القرار تمهيد لتعويم جديد للجنيه؟!- لا .. ليس تعويماً جديدا، فمثل هذا الزعم يجافي طبيعة الأشياء، فالقرار هدفه الحفاظ على استقرار سعر الصرف وحماية عملتنا المحلية بترشيد الاستيراد وتقليل الطلب على الدولار.. كما أن الجنيه تم تعويمه فعليا في 2016 بقرار البنك المركزي الذي ترك سعر صرف الجنيه للعرض والطلب فكيف يتم تعويم الجنيه " المُعوًم أصلاً "؟!.
وربما يحدث تدخل جزئي من البنك المركزي بشكل غير مباشر كما يحدث الآن لحماية الجنيه ومحاصرة الضغط عليه من العملات الأجنبية خصوصاً الدولار فإذا تراجعت الواردات سيقل بالضرورة الطلب على الدولار وينعكس إيجاباً على العملة الوطنية فيتحسن وضعها أمام العملات الأجنبية.
نصائح للمستوردين
* بم تنصح المستوردين في الفترة الحالية؟!- على المستوردين ورجال الأعمال الذين يتخوفون من بطء الإجراءات والتأخير في تنفيذ طلبات الاستيراد أن يبادروا من الآن بتجهيز الإجراءات والأوراق المطلوبة وفتح الاعتمادات المستندية لاستيراد احتياجاتهم التي ألزم البنك المركزي البنوك بسرعة تلبيتها وعدم تحصيل أي رسوم زائدة عن مستندات التحصيل .. أما الشحنات التي جري التعاقد عليها فعليا فلا ينطبق عليها القرار.. ولهذا أعلن "المركزي" عن المنظومة الجديدة قبل 15 يوماً من تنفيذها ليعطي الفرصة لمجتمع الأعمال للاستعداد لها .. وعلى "المركزي" أن يشدد الرقابة على البنوك لضمان التزامها بتبسيط الإجراءات وتسيير الأمور بكل شفافية ويسر وعدم تحميل مجتمع الأعمال أي أعباء إضافية حتي لا تتأثر الأسواق وتحدث زيادات جديدة في الأسعار لا يتحملها المواطن.
الاقتصاد الأسود .. أخطر
* هل هناك عوامل أخري تضغط على العملة الوطنية؟! - تهريب المخدرات أخطر على الاقتصاد والعملة الوطنية حتي من استيراد السلع التقليدية، فشحنات المخدرات التي يجري تهريبها للداخل يتم دفع ثمنها بالدولار الذي يجري الحصول عليه من السوق السوداء.. وحين نعلم أن 90% من المخدرات المتداولة في شوارعنا وقرانا ومدننا مستوردة بالعملة الصعبة ندرك حجم الجرم الذي يمارسه مهربو المخدرات ليس على صحة شبابنا فحسب بل على الاقتصاد والجنيه بشكل أخصوهو ما يتطلب محاصرة جميع الأنشطة غير المشروعة مثل تهريب الآثار وغسيل الأموال جنباً غلي جنب تطبيق "منظومة الاستيراد الجديدة" وتشديد العقوبات والإجراءات الأمنية على المجرمين واستخدام وسائل تقنية حديثة لمراقبة وتتبع شحنات السموم قبل دخولها إلي البلاد حتي لا تؤدي هذه التجارة غير المشروعة إلي تفريغ القرار من مضمونه.
إعادة تقييم
* هل هناك فرصة للاعادة التقييم؟! - التطبيق دائماً ما يكشف نقاط القوة والضعف معاً.. ولا أعتقد أن "المركزي لا يمكنه السكوت على أي ارتفاع جديد في الأسعار" ولابد أنه يملك بدائل للتقويم وتصويب المسار متي استدعيالأمر ذلك.
* وماذا عن استغلال بعض التجار للظروف الانتقالية؟!- هناك دائما المستفيد من الأزمات او سماسرة الحروب الذين يستغلون الظروف الانتقالية ويقومون بتخزين البضائع لتعطيش الأسواق وبالتالى تحدث ارتفاعات فى الأسعار .. وهنا لا بد للجهات المعنية فى الحكومة وجهاز حماية المستهلك أن ينشطوا لإحكام وتشديد الرقابة على الأسواق فى تلك الفترة لمنع الاحتكار والممارسات الضارة ومحاسبة المخطئين والمقصرين ..فالقرار إيجابى فى حد ذاته لكن لا يمكن لشئ منه أن يتحقق لو غابت الرقابة وحضرت البيروقراطية من الجهات المنوط بها التنفيذ وتعطلت الموافقات والإجراءات وهو ما يحدث نتائج عكسية نحن فى غنى عنها والمحاسبة الفورية مطلوبة لأى من كان إذا تسبب فى عرقلة المنظومة الجديدة فمن أمن العقاب أساء الأدب.. ولكى ينجح أى قرار فا بد من مقومات نجاح فإذا تسارعت الإجراءات وتحققت الكفاءة فى التنفيذ، ووجدت الرقابة لم تزد التكلفة ولن ترتفع الأسعار ولن يشكو المستوردون ولا التجار ولا المستهلكون .. ويكتب النجاح للقرار وذلك هو المبتغى.