وقوف الكبار مع أوكرانيا فضح نفاق العالم… وشريط اللاجئين انتقل من افريقيا والعالم العربي إلى أوروبا كلمات مفتاحية
القاهرة ـ «القدس العربي»: تقمص أمس الاثنين 7 مارس/آذار كثير من الكتاب والإعلاميين دور “ملاك الرحمة” المدافع عن الأغلبية الفقيرة، التي علا صراخها من شدة ما يحيط بها من قسوة الحياة، وما تواجهه من غلاء عرف طريقه كذلك للطبقات الثرية. وبدوره وجه الإعلامي المقرب من السلطة عمرو أديب، رسالة إلى الحكومة بعد موجة ارتفاع الأسعار التي يشهدها العالم، قائلا: “كل الدول بتحاول تساعد شعوبها.. تتواءم مع الشر اللي لا بد منه”. وأوصى أديب، الدولة المصرية الاهتمام بالفقراء، معترفا: هناك طبقات تستطيع استيعاب الصدمة، لكن الطبقات الأقل من الطبقة المتوسطة والفقراء في رقبة الدولة. وواصل محذرا «اعمل أي حاجة في الطبقات اللي فوق، ولكن في طبقات متستحملش أكتر من كده». وأضاف “الحكومة والشعب يجب أن يهتموا بطبقة الفقراء الفترة المقبلة، حيث إنهم الأولى بالرعاية”، متابعا: “نقف جنب بعض، هي البلد دي فيها حد مش بيكسب.. لحم كتافنا من خير البلد دي”.وفي محاولة الهدف منها ضبط الأسواق تكثف أجهزة وزارة الداخلية، جهودها لحماية جمهور المستهلكين، وإحكام الرقابة على الأسواق، والتصدي لمحاولات حجب السلع عن التداول عن طريق إخفائها، وعدم طرحها للبيع والمضاربة بالأسعار، بقصد رفعها، مستغلين الأحداث العالمية. وقد نجحت الشرطة في ضبط كميات ضخمة من الدقيق سعت لتهريبها مافيا السوق السوداء. ومن الأخبار السارة: قال الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية والوقائية، إن مصر تقترب تدريجيا من الوصول لتخطي المرحلة الجارية والعودة للحياة لما قبل كورونا، بحلول الصيف إن شاء الله، مؤكدا أنه يمكن حال تطعيم 75% من السكان أن يساهم هذا في عودة الحياة الطبيعية؛ لكن ذلك لا يمنع العدوى. ومن أخبار المحاكم : قررت جهات التحقيق إحالة أستاذ أمراض باطنة شهير وآخرين إلى المحاكمة الجنائية، لاتهامهم بتكوين تشكيل جماعة إجرامية منظمة لتجارة الأعضاء البشرية.مال مشبوه
البداية مع الحرب المستعرة ضد الغلاء، إذ يلقي حمدي رزق في “المصري اليوم” بالمسؤولية على التجار: فجأة، على فجيعة الحرب الأوكرانية التي لم تكمل عشرة أيام حزينة، برزوا بأنيابهم الصفراء ينهشون في جسد المصريين، المكويين أصلا من الغلاء. الرغيف زاد سعره «ربع ونصف جنيه»، البيض ثلاثة أو خمسة جنيهات، الزيت، السكر، وهكذا دواليك، دون شفقة ولا رحمة. لا رقابة صارمة على الأسواق العشوائية التي باتت في عهدة مجموعة من الانكشارية الاحتكارية، دون حسيب ولا رقيب. ويشب في الأسعار حريق متعمَّد لإحراج الحكومة سياسيا في مواجهة الشعب، الزيادات العشوائية المجحفة باتت حديث الشارع المصري، كل تاجر، بل كل بقال، يرفع الأسعار من تلقاء نفسه، وإذا سألته يتمحّك في الحرب، وكأن الحرب تحت بيت سيادته، وكأن السفن تعطلت، والرحلات الجوية علقت، والمخزون الاستراتيجي شارف على النفاد. تخيّل كيلو اللحمة بـ180 جنيها، حاجة تجنن الجن وتعفرت العفريت. الحكومة بُحَّ صوتها، المخزون الاستراتيجي آمن تماما، والمواد الغذائية متوفرة، ولا حاجة إلى التخزين، ولسنا في حالة حرب، الحرب هناك في أوكرانيا، والعقود الاستيرادية الآجلة لم يَحِن موعدها، والصوامع مليانة قمح، ولكن تجار الأورنص نهِمون للكسب الحرام. لم يتغير بعد سعر توريد الغذاء، والمخزون لا يزال يفيض على الرفوف، ولكنهم سرعان ما سنّوا السكاكين لتقطيع اللحم الحي، اتكاء على سياسة العرض والطلب، وحرية التجارة، وهذه حتى تُقيد في زمن الحرب.
الأمير والإمام
(أصحاب الفكر المتطرف اختطفوا الدين الإسلامي وحرفوه بحسب مصالحهم.. وجماعة الإخوان لها دور كبير وضخم في خلق كل هذا التطرف، وبعضهم يعد جسرا يودي بك إلى التطرف).. هذه بعض عبارات الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، خلال حواره مع مجلة «أتلانتيك» الأمريكية، الذي تحدث خلاله، كما أشارت سحر جعارة في “الوطن” في عدد من القضايا الدينية، منها ما يتعلق بالفقه وعلم الحديث النبوي وغير ذلك.. والأهم أنه شدد مجددا على أن السعودية على وشك إصدار «كتاب الصحيح» الذي يتناول تصنيف وتمحيص الأحاديث.. فما هو الصادم والمدهش في حديث بن سلمان، الذي يتحدث فيه عما نعتبره بمثابة ثورة دينية وفكرية واجتماعية، فهذه ليست المرة الأولى التي يتبرأ فيها من الفكر الوهابي، ولا التي يعترف فيها بوجود ديانات متعددة ومذاهب متعددة «وهو ما يُحيي المذهب الشيعي». الصادم أننا بعد كل حديث له نطرح السؤال: «وماذا نحن فاعلون؟».. نحن نقف في مواجهة «قِبلة المسلمين» نحن من اكتوينا بنار التطرف والإرهاب الديني من قبل، ونسمع ولي العهد يقول: «حددت الأحاديث في ثلاثة جوانب، أولا: ما نسميه المتواتر، وهذا يعني أن العديد من الناس سمعوا من الرسول عليه الصلاة والسلام، وتناقله القليل من الناس وهكذا، وقد تم توثيق ذلك، وهذه الأحاديث قوية جدا، وعلينا أن نتبعها، وعددها قرابة 100 حديث، وثانيا: ما نسميها الأحاديث الآحاد، وهى ما سمعه شخص عن الرسول، وسمعه شخص آخر عن الشخص الأول، حتى نصل لمن وثقها، وعلينا تمحيص ما إذا كان ثابتا، ويتماشى مع تعاليم القرآن، أو يتوافق مع تعاليم المتواتر، ويتماشى مع مصلحة الناس» هذه – إذن- بوصلة المستقبل في الفكر الديني.
ليتها تتقي الله
واصلت سحر جعارة الضرب تحت الحزام للمؤسسة الأزهرية: من خلفنا، المادة الثانية من الدستور التي جعلت من الأزهر الشريف المرجعية الدينية الأساسية في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية.. والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، يهاجم بشدة ما يعتبره: (تشكيكا في قيمة السنة النبوية وفي ثبوتها والطعن في رواتها من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم)، ويعتقد أن من يفعل ذلك يطالب باستبعاد «السنة الشريفة جملة».. رغم أن شيخ الأزهر يعلم جيدا أن «أحاديث الآحاد» هي التي تغيّب العقل الجماعي بحواديت (سحر الرسول ومحاولته الانتحار، قتل المرتد، تكفير الآخر.. إلخ من تلك الخزعبلات). وهي أسلحة التكفيريين وهي «البيزنس» الذي يحكمون به الناس بفرض الحجاب أو تحريم فوائد البنك.. والسيطرة على مقدّراتهم ونزع إرادتهم والتدخل في حريتهم وحياتهم الشخصية. يؤكد الدكتور الطيب ضرورة (بقاء السنة إلى جوار القرآن جنبا إلى جنب، وإلا ضاع «ثلاثة أرباع الدين» وأن سلخ القرآن عن السنة يضعه في مهب الريح، ويفتح عليه أبواب العبث بآياته وأحكامه وتشريعاته). لاحظ أنك في دولة إهدار الدم بحكم الردة المجاني.. وكتائب الحسبة تطارد القرآنيين، والقانون يحظر تداول كتب الشيعة.. أقوم أنا «يا مفعوصة» أتناقش في تصحيح ثلاثة أرباع الدين؟ إن أخرسوك حتى لا تنطق بالحق، أو قطعوا أحبالك الصوتية، أو حتى اعتقلوك ورموك في ظلمات الزنازين.. فلا أحد يملك أن يصادر عقلك.. ولا أن يطلع على نيتك في الصلاة أو إخلاصك في الصيام.. لن يخترقوا رأسك ليطلعوا على قناعتك أو يزرعوا في داخله «صورة سلبية» عن نبى الرحمة. سوف نتناقش بأعلى صوت قبل أن يدهسنا قطار الحداثة، لأن الأمر متعلق بصحة عقيدتنا التي خرج منها الملحد إنكارا لكل ما التصق زورا بالإسلام، كما خرج منها التكفيري امتثالا لتفاسير إرهابية حتى لنصوص القرآن المتعلقة بـ«الجهاد».. هذا الملف لن يُغلق.. لقد فرضته علينا العاصمة التي صدّرت لنا الوهابية من قبل.يدرك ما يفعل
المشروعات التي تقيمها الدولة الآن ليست إنفاقا في الهواء، ولكنها كما قال كرم جبر في “الأخبار”، استثمارات للأجيال الحالية والقادمة، والمشروع الذي يتكلف مليونا الآن سيصبح مئة مليون بعد سنوات. المشروعات الكبرى ليست إهدارا لموارد وثروات البلاد، بل هي تعظيم لها، وشتان بين اقتصاديات الفقر والعوز، واقتصاديات الثروة والنماء، وبين دول تتآكل أصولها ولا تضيف لها شيئا، وأخرى تبنى وتشيد وتضيف كل يوم مشروعا جديدا. لو خاف عظماء التاريخ، ما أقدموا على بناء المساجد الفخمة، ولا الكنائس العملاقة ولا المعابد والقصور والبنايات الرائعة، التي تجعل للبلاد جذورا تضرب في التاريخ وتزهو بها الدول وتتفاخر بها الشعوب. المشروعات الكبرى تدر عوائد كبيرة وتستطيع أن تسدد تكلفتها، وفوق ذلك فهي ترسم صورة دولة حديثة تتطلع إلى المستقبل. دعني أرى الدين في سلوككم وأخلاقكم، ولا تزايدوا وتكذبوا وترمون غيركم بما فيكم، فالإسلام دين الأخلاق ورسولنا الكريم «إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق» «وإنك لعلى خلق عظيم»، ولو اتبعنا ذلك «كنتم خير أمة أخرجت للناس». ما أقبح من ينصبون أنفسهم أوصياء وجلادين وسيافين، وينشرون الخوف والذعر، ويدعون حدودا ليست من شرع الله، بينما تعاليم الإسلام تفيض كالنهر العظيم سلاما ومحبة وتسامحا، وتنشر الأمن والطمأنينة بين العالمين، وما أحوجنا إلى سلام النفس والقلب والضمير، وأن يلتئم الشمل وتهدأ حدة المكائد والصراعات، وتمتد الأيدي للبناء وليس الهدم والتخريب، وأن نزرع الأرض خيرا وليس ألغاما ومتفجرات. وعندما يرتفع في السماء عاليا نداء “لا إله إلا الله” تتوحد القلوب وتتطهر المشاعر لنشر الرحمة والتكاتف والتعاطف، وأن يكون الغني عونا للفقير، والقادر سندا للمحتاج، فلا فضل إلا بالتقوى والعمل الصالح، وما أحوج بلادنا إلى استنهاض روح الأمة والعودة إلى جوهر ديننا الحنيف، فلا دنيا لمن لم يحيي دينا، ولا صلاح إلا باستنهاض الأخلاق.
على وجه السرعة
الحقيقة التي صدمت الكثيرين ومن بينهم أحمد إبراهيم في الوطن”، أن العالم لم يعد مستقرا، سواء بسبب الظروف الطبيعية أو الأطماع الاستعمارية والصراعات السياسية، كل هذا يجعلنا نفكر من اليوم قبل غد في تأمين غذائنا، لأنه في حالة حدوث الأزمات، فإن الدول التي لديها فائض في الغذاء تتوقف عن تصديره حتى توفره أولا لشعوبها، ثم تغلق أبوابها على نفسها، هنا تتعرّض الدول المستوردة لضرر كبير. ونحن في مصر يجب علينا الاستعداد لمواجهة مثل هذه الأزمات قبل وقوعها، حتى على الأقل نخفّف من آثارها. كل الدول بدأت تولي الزراعة اهتماما كبيرا، لأنها مصدر الغذاء، حتى تلك الدول الكبرى التي تمتلك أعظم الجيوش والأسلحة، لأنها تعلم أن الجندي الذي لا يجد غذاءه لن ينفعه السلاح الذي يحمله، ولن يستطيع حماية نفسه وبلده. طالب الكاتب بإنشاء المجلس الأعلى للإنتاج، ولكن التطورات التي تشهدها حاليا الكرة الأرضية تتطلب إنشاء مجلس أو جهاز للأمن الغذائي برئاسة رئيس الجمهورية، وعضوية الخبراء من رجال الإنتاج الحقيقيين في الصناعة والزراعة، والذين أيديهم في النار، حيث يعلمون بالمشكلات التي تواجههم وحلولها. هذا المجلس سوف يكون أهم من مجالس وأجهزة وهيئات كثيرة في البلد ليس لها دور، بل تشكل عبئا على الموازنة العامة، لأن تأمين الغذاء بحماية المنتجين ورعايتهم قضية أمن قومي، والحماية ليست فقط بالكلام، ولكن بإجراءات حقيقية على أرض الواقع، وبتحويل كل الإنفاق إلى دعم المنتجين والمشروعات الإنتاجية، والأهم بتغيير فكر بعض المسؤولين من الجباية إلى الإنتاج والاستثمار والمُنتج، سواء كان زراعيا أو صناعيا كبيرا أو صغيرا يحتاج من دولته أمرين لا ثالث لهما:
ليحيا الفقراء
طالب أحمد إبراهيم بضرورة دعم مستلزمات الإنتاج وتوفيرها بأسعار مخفّضة، ولو أمكن مجانا، لأن دعم الإنتاج هو دعم للشعب كله، يتمثل في إنتاج الغذاء وتوفيره بأسعار مناسبة. الأمر الثاني تسويق منتجاته بأسعار عادلة تحقّق له هامش ربح يضمن استمراره وعدم الخسارة، وبالتالى التعثر والخروج من سوق الإنتاج. المنتجون في بلدي ما زالوا يعانون من قرارات اقتصادية أحيانا غير مدروسة، ومن أعباء كثيرة تجعل بعضهم يتعثر أو يتّجه للمشروعات الاستهلاكية مثل، العقارات والتوكيلات والاستيراد والكافيهات والمطاعم، باعتبار أن أرباحها سريعة وسهلة وأعباءها خفيفة، بل يمكن إقامتها دون ترخيص، فالذي يفكر في إقامة مشروع إنتاجي يتعرّض لمشكلات كثيرة. الفوائد التي تعود على البلد من الإنتاج أضعاف أضعاف ما تتحصّل عليه من الضرائب على مستلزمات الإنتاج، ولا أظن أن هناك أي دولة حاليا في العالم تفرض مثلا ضرائب عقارية على المزارع والمصانع سوى مصر. وبحسبة بسيطة فإن عدم دعم المنتجين وحمايتهم يؤدي إلى خروج بعضهم من السوق، وبالتالي نفقد فرص عمل كثيرة، وأيضا يؤدي عجز الإنتاج إلى ارتفاع الأسعار الذي يتسبّب في معاناة المواطنين، وتضطر الدولة إلى فتح باب الاستيراد، ما يكلفها أموالا طائلة، وبالتالي يتم استنزاف الاحتياطي الأجنبي. أيضا يجب إنهاء مشكلة آلاف المصانع المتعثرة والمغلقة، لأنها طاقة اقتصادية هائلة، مصر في أشد الاحتياج إليها، والإسراع في تشغيل المناطق الاستثمارية الحرة (بنها والصف وميت غمر)، التي تكلفت أموالا طائلة وتقدّر قيمتها بعشرات المليارات كاملة المرافق، ولكنها ما زالت معطلة منذ ثلاث سنوات وأكثر.
وماذا عن فلسطين؟
اهتم الدكتور أسامة الغزالي حرب في “الأهرام” بمحاولة رد الفعل الشعبي بشأن تعامل العالم مع الأزمة الأوكرانية وسعى لقياس تعامل الرأي العام مع الحرب، مؤكدا أن هذه مسألة لا يمكن تحديدها بدقة، إلا من خلال القياسات العلمية المتعارف عليها… يمكنني هنا رصد عدة انطباعات عامة: الانطباع الأول هو ما ذهب إليه الذهن الشعبي من المقارنة الفورية بين الاهتمام الكبير الذي أولته الدول الغربية لمحنة اللاجئين الأوكرانيين، الذين فروا من بيوتهم تحت ضغط الضربات الروسية، والتجاهل المزمن الشائن من جانب تلك القوى لمحنة اللاجئين الفلسطينيين المزمنة، التي طالت لما يقرب من ثلاثة أرباع القرن، منذ 1948. وطبعا مع ملاحظة الفارق الكبير بين لاجئي أوكرانيا الذين نقلتهم باصات فاخرة إلى معسكرات اللجوء (وبعضهم أخذ معه حيواناته الأليفة)، في الدول المحيطة التي رحبت بهم، والحالة البائسة لللاجئين الفلسطينيين حقا، أن اللجوء أمر أليم وشديد القسوة في جميع الحالات، ولكن يظل الفارق الكبير لافتا. الملاحظة الثانية هي ما يمكن وصفه بميل الرجل العادي للتعاطف مع روسيا، نتيجة تراث طويل من المشاعر الإيجابية التي ولدها التاريخ الطويل للعلاقات معها، التي تختزن الذاكرة الشعبية مساعدة روسيا لمصر في بناء السد العالي، والسلاح الروسي المتقدم الذي كان في حوزة المقاتل المصري في حرب أكتوبر/تشرين الأول برا وبحرا وجوا، الذي حقق به انتصاره المجيد. الملاحظة الثالثة التي لم تغب عن المواطن المصري تتعلق بما ذكره رئيس أوكرانيا من دعوته (يهود العالم) لمؤازرته، والتي تبعتها أخيرا الزيارة السريعة لرئيس وزراء إسرائيل لروسيا. وأخيرا فإنني – مثل مواطنين مصريين كثيرين أيضا – أعجبنا بشجاعة وإصرار الأوكرانيين في مواجهة الاجتياح الروسي لبلدهم.
متاهة القاهرة
هكذا وجدت الدبلوماسية المصرية نفسها كما قال عبد الله السناوي في “الشروق” داخل متاهة الحسابات المتعارضة. أين تقف بالضبط؟ أو كيف تتصرف؟ الأمريكيون والأوروبيون يضغطون عبر قنوات عديدة، قبل أن يتجاوزوا كل أعراف العمل الدبلوماسي بصورة غير مسبوقة، لم تكن القضية في استكشاف أين تقف القاهرة، ولا في الاتصال معها بشأن التنسيق في المواقف. الجديد والمثير أن الأمور أفلتت مما هو طبيعي إلى ما هو غير طبيعي باجتماع مجموعة سفراء الدول السبع الكبرى في القاهرة واستصدار بيان يطلبون فيه من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إدانة جماعية لما يحدث في الحرب الروسية الأوكرانية. «ليس هناك دولة في العالم تستطيع أن تقبل المساس بسيادة الآخرين، لمجرد أن جارها الأقوى يريد ذلك». لم تكن لتلك الإشارة أي قيمة وصدقية بالنظر إلى مواقف هذه الدول بالذات إلى قضايا الشرق الأوسط المستباح في أمنه ووجوده تبدت في البيان إشارتان خطيرتان كأنهما تهديدان أحدهما أمني واستراتيجي والآخر اقتصادي وسياحي. الأولى: «إن محاولة روسيا زعزعة استقرار النظام الدولي سوف يكون لها صدى أيضا على منطقة الشرق الأوسط وافريقيا بما في ذلك مصر». والثانية: «إن العدوان الروسي يعني ارتفاع أسعار القمح والسلع الغذائية في مصر وافريقيا».. فضلا عن أنه: «سوف يتعذر على ملايين السائحين الأوكرانيين.. القدوم إلى مصر، الأمر الذي يتسبب في ضرر مباشر لقطاع صناعة السياحة». في محاولة للإفلات من الضغوط المتصاعدة، التي شملت دول العالم بلا استثناء، دعت القاهرة إلى اجتماع للجامعة العربية. شابت ذلك الاجتماع، الذي عقد على مستوى المندوبين، تباينات حادة أفضت إلى موقف وصفه الأمين العام المساعد السفير حسام زكي في حديث متلفز بأنه «حيادي»، «لا نلوم أو ندين ولكننا نرغب في المساعدة».
تناقض عربي
وضع عبد الله السناوي يده على ما يكشف حجم التناقض في الموقف العربي: في تصويت الأمم المتحدة امتنعت ثلاث دول عربية هي، الجزائر والعراق والسودان في ما وافقت الدول العربية الأخرى. كان ذلك تعبيرا مستجدا عن الفجوات العميقة في المواقف العربية، بشأن أي قضية وجودية أو غير وجودية، مهمة أو غير مهمة. اللافت في أداء الدبلوماسية المصرية الحيرة التي شابت حركتها، صوتت بـ«نعم»، وأفاضت كلمة مندوبها في ذكر الأسباب التي دعتها لاتخاذ هذا الموقف، قبل أن تعود لتخفيف أي آثار سلبية محتملة في العلاقات مع روسيا إلى تبني موقف آخر ترجمته المفترضة: «الامتناع عن التصويت». أهم ما جاء في إيضاح الخارجية المصرية: «أنه ينبغي عدم غض الطرف عن بحث جذور ومسببات الأزمة الراهنة»، في ما يعني نوعا من التفهم للمخاوف الأمنية الروسية وشرعيتها. وأقوى ما فيه: «رفض توظيف منهج العقوبات الاقتصادية خارج إطار آليات النظام الدولي متعدد الأطراف من منطلق التجارب السابقة، التي كان لها آثارها الإنسانية السلبية البالغة، وما أفضت إليه من تفاقم ومعاناة المدنيين طوال العقود الماضية». وهو اعتراض صريح من حيث المبدأ على الحصار المفروض على روسيا. كان ذلك تصحيحا وضبطا للمواقف خارج قاعة الجمعية العامة، لكنه ضروري وصحيح ويدعو بمنطقه وظروفه وملابساته لإعادة هيكلة السياسة الخارجية المصرية في لحظة تحولات عاصفة يقال فيها عن حق، إن الأسوأ في الأزمة الأوكرانية لم يأت بعد.
سلسلة من الأكاذيب
منذ فجر التاريخ، كما أوضح ناصر عراق في “الوفد” وحتى الحرب المستعرة الآن بين روسيا وأوكرانيا، واللغة بتلويناتها المختلفة تتصدر المشهد، حيث يكتشف المرء مع الوقت أن معظم الذين أشعلوا النيران يقولون ما لا يفعلون، إذ يحشدون شعوبهم وأنصارهم بجيوش من العبارات الرنانة بجانب جحافل الدمار والنيران، سواء حدث ذلك في أزمنة الخيول والسهام والنبال، أو في أوقات الطائرات والصواريخ والقنابل. فالنيران ليس لها أن تندلع دون أن تعانق حزمة من الكلمات الباذخة والمفردات الشاهقة. لاحظ من فضلك الفروق الشاسعة بين المعاني والمفردات حين يقول الإعلام المناصر لأوكرانيا (الحرب على أوكرانيا)، أو (الغزو الروسي على أوكرانيا)، بينما يقول الإعلام الروسي (العمليات الروسية في أوكرانيا)، في حين يردد إعلام آخر متعاطف مع الروس (العمليات العسكرية في أوكرانيا)، فلا ذكر هنا لحرب أو غزو أو هجوم، وهي مفردات قاسية تدين من يرتكبها، أما الرئيس الأمريكي بايدن فيصف الرئيس الروسي بوتين بأنه مستبد وديكتاتور، مستندا في ذلك إلى تاريخ الاستبداد في روسيا منذ القياصرة حتى البلاشفة، في حين يصف الأخير الغرب كله بأنه (إمبراطورية الكذب)، متكئا على سلسلة من الأكاذيب الفاضحة التي يروج لها الأمريكيون من قرن إلى آخر. وهكذا تستحوذ اللغة بمعانيها المختلفة على عقول الملايين ووجدانهم، فتحدد الأنصار والأعداء، ولكن، لأن أمريكا والغرب يملكان منظومة إعلامية جبارة، تطورت على مدار عقود، فإنهم يربحون المعارك إعلاميا على الأقل، ويثب العالم محتجا ضد (الغزو الروسي لأوكرانيا)… وهأنذا أردد أيضا كلمة (الغزو). حتى الكتب المقدسة تعاملت مع الكلمة بكل وقار واحترام وتقديس، فأول آية من إنجيل يوحنا تقول: (في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله)، وفي القرآن الكريم يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة البقرة الآية 37: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التوّاب الرحيم). اللافت أن الكلمات تناسلت مع التطور التكنولوجي فأنجبت الصور الملونة واللقطات المفعمة بالحركة والحيوية، فصارت لدينا مشاهد تتزاوج فيها الكلمة بالصورة، فيرتفع التأثير على المتلقي إلى ذرى غير مسبوقة، ويغدو الملايين من الناس أسرى الإعلام الأكثر مهارة الذي يعرف كيف يصوغ المشاهد المؤثرة المعززة بالكلمات الرنانة.
كل لديه أوراقه
نبقى مع الحرب إذ يرى عمرو الشوبكي في “المصري اليوم” أن روسيا تمتلك الورقة العسكرية القوية، والغرب يمتلك الورقة الاقتصادية المؤثرة، وفي الوقت نفسه يناكف روسيا ويستنزفها بدعم أوكرانيا عسكريا، رغم معرفته أن هذا الدعم لن يغير في توازنات المواجهة، ويجعل أوكرانيا منتصرة. اللجوء إلى الحرب والمواجهة الخشنة جاء بعد فشل كل الأدوات الروسية «شبه الناعمة» في تغيير الموقف الغربي من قضية امتداد حلف الناتو إلى البلدان المتاخمة للحدود الروسية، فروسيا تدخلت سلميا في أوكرانيا «بالاستفتاء الديمقراطي» من أجل ضم ثلث البلاد (القرم) إلى روسيا، ولم يغير الغرب موقفه من مطالبها برفض توسع الناتو، إلا بإعلان رفضه ما قامت به وفرض عقوبات محدودة عليها، كما حاصرت روسيا أوكرانيا برا وبحرا وجوا لأسابيع طويلة، دون أن يسفر ذلك عن تراجع في الموقف الغربي. ولعل عجز أدوات المواجهة «شبه الناعمة» عن تحقيق مطالب أي طرف جعل الحرب حتمية، ويبدو أن الطرفين في حاجة إلى بعض الوقت لكي يكتشفا أن أدوات الحرب الخشنة لن تحقق في ذاتها مطالب أي طرف، وستوصلهما حتما إلى نقطة تفاوض. السؤال المطروح: هل هدف روسيا توسيع دائرة هجومها حتى تصل إلى بلدان أوروبية أخرى مثل بولندا ودول البلطيق، في ظل حديث البعض عن رغبة بوتين في استعادة «أمجاد الاتحاد السوفييتي»؟ الحقيقة أن الرئيس بوتين ليس من نماذج الزعماء المتهورين، الذين تُحركهم فقط نوازع شخصية أو أحلام إمبراطورية ليس لها أساس في الواقع، فهو رجل يحسب بدقة حساباته الاستراتيجية، ويعرف بعيدا عن الرغبة الثمن الباهظ الذي ستدفعه روسيا والعالم في حال أقدم على توسيع دائرة هجومه إلى خارج أوكرانيا، ولذا فهو ينطلق من أوكرانيا ويكتفي بها لتحقيق نجاح يُجلسه على طاولة المفاوضات وهو مسيطر على البلد بأكمله. قسوة الحرب وبشاعتها والضحايا المدنيون الذين يسقطون كل يوم وشريط اللاجئين الذي انتقل من افريقيا والعالم العربي إلى أوروبا، كل ذلك لن يُوقف بكل أسف الحرب، إنما ستتوقف حين يتأكد كل طرف أنه لا منتصر فيذهبون إلى التفاوض، أو حين ينتصر طرف على آخر وهنا أيضا سيذهب الطرفان إلى نقطة التفاوض.
لا يقبل النصح
ما زال الداعية مبروك عطية يتعرض للهجوم بسبب أسلوبه الدعوي ومن بين من انتقده في “الوطن”أميرة خواسك: “يعز عليّ أن أرى واحدا من علماء الأزهر الشريف وهو يستخدم عبارات غير لائقة وأحكاما قاطعة على بشر أمرهم في النهاية بين يد الله، فيقول لهذه ستذهبين إلى النار، ولتلك أنت لم تتربي ولأخرى “اتنيلي” وكلها ألفاظ وعبارات من هذا النوع المتدني، الذي حتى وإن كان يجذب الدهماء فهو بالتأكيد يقلل من قدر قائله، خاصة إن كان عالما كما يحب أن يلقب نفسه دائما. منذ أيام ظهر الدكتور مبروك في البرنامج نفسه، وبطريقته غير العلمية على الإطلاق أخذ يردد كلاما محسوبا عليه، فيقول إن الزواج يتطلب المقدرة المالية والمقدرة الجسدية، وبلا تردد يقول إن ثلاثة أرباع سكان مصر قد أتوا من زيجات “حرام”. ولعل الرجل يدرك جيدا وقع كلمة “الحرام” على أي مسلم، بل على أي مؤمن، فكيف لمن يدعي العلم أن يطلق أرقاما وأقوالا لا تمت للعلم ولا للدين بإي صلة، وكيف يتجرأ أن يطلق عبارات كهذه؟ حتى إن لم يكن يخشى الجهات العلمية وجمهور المشاهدين البسطاء الذين يستمعون إليه ويصدقون كلامه ويأخذون به، ألا يخشى أن يقر هذا الكلام باسم الله وباسم الدين والله وأديانه كلها بريئة من مثل هذا الكلام؟ هل يعتقد الدكتور عطية أن العالم ليس فيه فقراء؟ أفليس من حق هؤلاء الفقراء أن يعيشوا حياتهم ويحصلوا على أبسط حق فيها وهو الزواج؟ لكنه لم يكتف بهذا، بل قال إن الرجل الذي لا يستطيع الإنفاق على زوجته عليه أن يطلقها، ما هذا يا رجل وأي قيم تريد أن تشيعها بين الناس وفي الأسر، التي قامت على الترابط والرحمة والمساندة مهما كان عوزهم؟ هل هذا يعني أن المادة هي من تحكم حياتنا، فلا زواج إلا لمن يملك، ولا استمرار واستقرار إلا للميسور؟ أعتقد أن هذا كلام خطير ويجب أولا أن يكون لمؤسسة الأزهر رد على ما ردده الدكتور عطية فهذا الكلام قبل أن يسيء إليه فهو يسيء إلى الإسلام وإلى المؤسسة التي ينتمي إليها وهي الأزهر.
نعمر ويخربون
لا يخفى مرسي عطا الله كما يرى في “الأهرام” سعادته بقدرة مصر في السنوات الأخيرة على النأى بنفسها عن لعبة الاستقطاب العالمي في مستنقع الأزمات المتفجرة، وآخرها الأزمة الأوكرانية وانخرطت بكل الجد واجتهاد في أضخم عملية للبناء والتنمية من خلال مشروعات متنوعة تحمل في طياتها سلسلة من الأدلة التي لا تحتمل التأويل، على قوة وصدق الإرادة السياسية باتجاه إعادة بناء الدولة المصرية بمعدلات عالية من السرعة والجودة. ما يجري في مصر حاليا بينما نيران الصراعات ينتشر لهيبها في بؤر عديدة من العالم، خير دليل على أننا نتحرك وبصدق صوب أهداف عظيمة تدور في خلد هذا الشعب منذ سنوات بعيدة. ما يجري في مصر الآن وسط عالم مضطرب يؤكد وجود رؤية عميقة وثاقبة تدرك وعن يقين أن تأمين الحاضر والتأهب للمستقبل أكبر وأعمق من انتهاج مواقف عنترية أو رفع شعارات يغيب عنها قدرة الفصل بين الممكن والمستحيل. ما يجري في مصر الآن يؤكد صحة إدراكنا بأن الطريق إلى البناء والتنمية وتجنب الانزلاق إلى المعارك الدبلوماسية والحروب العبثية، قد يكون طريقا شاقا وطويلا لكن يقربنا منه دائما استمرار امتلاكنا الإرادة السياسية القوية مع وضوح وشفافية الرؤية الاجتماعية، التي تتلاءم مع ظروفنا وإمكانياتنا، ولكي أكون أمينا وصادقا فإننى أقول إننا نستكمل طريقاً خطونا عليه من قبل مرات عديدة، لكننا تعثرنا بسبب انغماسنا الطوعي أو الاضطراري في صراعات إقليمية تكلفت الكثير، أما اليوم فالأمر جد مختلف، وهذا هو الفارق بين تجربتنا اليوم وما سبقها من تجارب وما واجهناه من تحديات.
أي حاجة
تلك القائمة الطويلة من المنتجات والسلع التي تغزو أسواقنا، كما كشف محمد أحمد طنطاوي في “اليوم السابع” دون هوية أو ماركة معروفة أو مواصفات فنية، مواد بلا فائدة، قمامة العالم، ندفع ثمنها بالعملة الصعبة، وتستنزف اقتصادنا دون أن ندري، وأغلبها رديئة ولا تصلح للاستخدام، وتسيطر عليها أدوات الزينة ولعب الأطفال، ومع ذلك تحقق مكاسب خيالية لأصحابها، حتى صارت علامة “أي حاجة بـ 2.5” تملأ الشوارع. محلات “أي حاجة بـ 2.5″، لا تقدم عائدا للمجتمع، فقط تخلق طلبا على السلع المغشوشة والمقلدة والاستفزازية، إضافة إلى المواد الضارة المستخدمة في التصنيع، مثل البلاستيك الرديء والخامات التي خضعت لإعادة التدوير، لذلك لا يمكن أن تشتري سلعة أو منتجا له قيمة من هذه المحال، لكن انتشارها واعتمادها على ألعاب الأطفال بصورة أساسية، والمنتجات رخيصة الثمن يجعلها في مقدمة اختيارات الأسر الفقيرة والمتوسطة. الانتشار الكبير لمحال “أي حاجة بـ 2.5” لافت للنظر، ودليل على المكاسب الكبيرة التي تحققها هذه التجارة الفاسدة، التي لا تدر أي عائد على المجتمع، ولا تخلق فرص عمل، ولا تحفز على الإنتاج، فقط تدعم النمط الاستهلاكي، وتستنزف العملة الأجنبية، وتدار من خلال مجموعة أباطرة يعملون في مجال استيراد البضائع الصينية المقلدة منخفضة الجودة، وقد تمكنوا من إغراق السوق بهذه المنتجات حتى صارت في القرى والريف، بل والأحياء الراقية في القاهرة والجيزة. تخيل لو تم استبدال محلات “أي حاجة بـ 2.5” بنشاط تجاري أو صناعي له عائد على المجتمع، مثل ورشة لماكينات الخياطة، أو مصنع صغير لمنتجات الألبان، أو منحل للعسل، أو ورشة لإصلاح السيارات أو حتى حظيرة لتربية المواشي، فكل ما سبق له عائد مباشر على الفرد والمجتمع، ويخلق فرص عمل، ويدعم الاقتصاد ويسارع من معدلات النمو، ويحفز على العمل والإنتاج، وينقل الخبرات والتجارب، ويطور المهن الحرفية والصناعية، فهذه الصناعات الصغيرة والمتوسطة باتت عمود الاقتصاد في العديد من دول العالم، ولنا في تجربة الصين والهند عبرة، خاصة أن هذه الصناعات تمثل أولوية وأساس لزيادة معدلات النمو وتحسين دخل الفرد.